طريق العنب - قصة قصيرة

قصة طريق العنب - نهى إبراهيم عيد

بقلم  : نهى إبراهيم عيد

طريق العنب - قصة قصيرة - بقلم : أ/ نهى إبراهيم عيد

فى نهاية يوم عمل شاق تسارعت الفتيات ضاحكة وهن يرتدن الميكروباص الخاص بنقلهم من مكان عملهم (حقل العنب ) إلى بلدهم التى تبعد قرابة الساعة تقريبا من مكانهم ،التقطت شيماء أنفاسها وهى تقول :الحمد لله لقد أنهينا اليوم أيضا .كم يتبقى من ثمن البوتاجاز ميادة؟

ميادة مبتسمة :يتبقى حوالى الف جنيه

شيماء وهى تضع رأسها على كتف زميلتها :ألف جنيه انها ثلاث أصفار عزيزتى خلف الواحد ..لكن باذن الله سوف نحصلهم بكل يوم نجمع ١٣٠جنيه قبل الاسبوعين يكون المبلغ قد اكتمل .

تلتفت هبه إلى هنا جارتها بالمقعد :لماذا لم تركب أختك هنا؟

نظرت لها فى هدوء ثم قالت :فلتذهب بالميكروباص الآخر .

ظلت هنا تنظر صوب أختها حتى ذهبت هى الأخرى عائدة إلى منزلهما ،استغرقت شروق بالنوم وهى سعيدة هذه المرة :لا لن يكون هناك حذاء قديم أخي ،لقد تحصلت على الأجرة اليوم وسوف أحضر لك ما تبغى عزيزي ..

عدلت أسماء حجابها وهى تنظر لأخواتها الاثنتين :ما بكن أخواتي ..لم تنظرون إلى هكذا ؟

أجابت إحداهن بحب :نحن نحبك جدا أختى وكنا نتمنى لو كانت أختنا الرابعة معنا اليوم .

ردت أسماء بسرعة :لا لا اتركيها وشأنها ..دعوها مع أمي ..

نظرت إسراء صوب حقيبتها الفارغة وهى تبكى والسائق يدير أغنيته المفضلة :كتاب حياتى ياعين

،استنكرت الفتيات ما سمعوه من السائق وطلبوا منه تغيير الأغنية ,ابتسم لهن وأدار المذياع على القرآن الكريم ،أسندت كل واحدة منهن كتفها على الإخرى ،منهن من أغمضت جفنها ،أخريات استغرقن بالحوار والباقى استسلمن للنوم العميق ..وفي منتصف المسافة كان النداء من السائق :الأجرة يابنات ..يلا أجمعوا

قصة حادث 19 فتاة في المنوفية


تكاتفت الفتيات مع بعضهن البعض كي يجمعوا للسائق الأجرة الذي بدوره ابتسم لفتاه بالكرسي الذي بجواره :انظروا إلى العروسة الجديدة ...انها زوجتى القادمة ،ابتسمت الفتاة بحياء وهى تقوم بالضغط على ذراعه فى حين قامت شهد بالقاء الزغاريد لهم التى غطت على صوت المذياع ،تصاعدت حالة الفرحة بالميكروباص والكل يتمنى لغيره السعادة والخطوبة العاجلة لباقي البنات ..

توقفت الزغاريد فجأة وأمل تنبههم بخوف :انها شاحنة ثقيلة فلتنتبه عزيزي .

علا صوت السائق وهو يقول :أنا اراه جيدا لا تقلقي عزيزتي .

أمل :انظروا إلى السائق ،أنه غريب الشكل .

على الجانب الآخر أخذ السائق المجاور لهم يحدث زوجته هاتفيا :ماذا أفعل ؟ماذا تريدين مني ؟

فلتذهبي إلى بيت أهلك ،لم يعد يهمني .

صمت قليلاً ثم تحدث وصوت البكاء يظهر بلكنته :لن يستطع أحد أخذ أولادي مني ،لن ادعك تفعلين ذلك حتى وإن حاولتى ..

أغلق هاتفه وهو غاضب : انها امرأة شيطانية ،الآن تريد الانفصال والبعد بعدما تكاثرت الديون على ،تريد أخذ أولادى ،تنعتني بالمدمن ...هل أنا مدمن ؟

أجل لقد جعلتنى أشرب كل أنواع المخدرات فقط كى أنسى ..أنسى تلك اللحظة التى عميت عينى وأنا أوقع ورقة زواجها ...لن أترك أولادي حتى بحالتى هذه ..لن ادعهم لامرأة تربيهم كما فعلت أمي ...أين هى أمي ؟

بعد دقائق من التوتر إذا به يشعل سيجارة ،على الجانب الآخر تفاجئ الجميع بانحراف الميكروباص بعيدا اثر انقلاب تلك الشاحنة عليهم ،سقطت نظارة إحدى الفتيات التى كانت طالبة بكلية الهندسة فى حين اصطدمت احداهن بالأخرى ونظرات عيونها تملؤها الرعب ،ارتطم وجه السائق بزجاج الميكروباص فى حين انزلقت خطيبته أسفل الشاحنة ،علا صوت صراخ الفتيات عاليا حتى سمعه الجميع من حولهن 

صرخ سائق الشاحنة عاليا ثم نظر صوب الميكروباص وهو يبكى عاليا :يا الهي لم يكن بقصدي ..لم يكن بقصدي هذا أبداا

تسارعت الأقدام كى يحاولون إنقاذ الميكروباص المحمل بكثير من الأحلام لكن الجميع بدأ بنقلهم كجثث ملقاة

على الرصيف والدماء تكسوهن جميعا بما فيهم السائق.

أخذ سائق الشاحنة يلطم وجهه بشدة حتى كادت عينه أن تبرز خارجا ،حالة من الصمت سادت المكان الذي شعرت الأرض ذاتها بالحزن على فتيات بعمر الزهور يسعون لكسب قوت يومهم من خلال  العمل بالأجرة لمدة اثنتي عشر ساعة يوميا ...

ها هى الدنيا تكتسي بالسواد يا عماد ،ها انت قتلت "

الكثيرين اليوم فقط لأنك غاضب ....لا... لأنك عثر الحظ من يوم ولادتك ،لم يكن بقصدك زواجك من امرأة سليطة اللسان ،لم يكن بقصدك عدم انهاءك تعليمك والعمل كسائق منذ نعومة أظافرك،لم تقصد يوما خشونتك مع أ لادك ،لم تقصد أبدا أن تلجأ لطريق المواد المخدرة ،لم يكن بقصدك ولا نيتك أن تزهق كل هذه الأرواح ..ليتني مت قبلهم ولم أر تلك الكارثة التى حلت بسببي ،

تم عرض الجاني على النيابة لسماع أقواله ثم الكشف عنه بتحليل المخدرات وبعد عدة ايام تم التحفظ عليه وادانته الكاملة بمقتل تسعة عشر فتاة وسائق السيارة فى حادث هو الأسوأ و الأقسى منذ بعيد ..

وبمكان بعيد يتوسط الطريق أحد الرجال الذي يتبين من ملابسه كونه غير طبيعيا ،ظل يتراقص بمنتصف الطريق و يغنى بصوت باهت ،يشير إلى مكان الحادث ويسرع نحو الفتيات ويضحك بصوت هيستيري عال وظل يركض طويلا لأمتار بعيدة وهو يردد بكلمات غير مفهومة لكن عيونه تشير إلى كارثة جديدة وكأن هذا الطريق كتب عليه طريق الكوارث .

إعداد فريق موقع الشمس اليوم

إرسال تعليق

0 تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشمس اليوم