🎭 لماذا تراجع مستوى الأعمال الفنية والأدبية بعد ثورة يناير؟
كتب: شهد أشرف زايد
إن الشعور الذي يعبّر عنه الكثيرون اليوم ليس غريبًا، ولا يُمكن اعتباره ضربًا من التشاؤم أو الانفصال عن الواقع، بل هو انعكاس طبيعي لتحوّل ثقافي واجتماعي عميق، مرّت به مصر والمنطقة بأسرها في أعقاب تغيّرات سياسية مفصلية، أعادت تشكيل الذوق العام وأثّرت مباشرة في طبيعة الإنتاج الفني والأدبي، وفي علاقة المتلقي بالمُنتَج.
🎨 قبل الثورة: اتساق فني وبنية فكرية متينة
قبل هذه المرحلة، كانت منظومة الإنتاج الفني والأدبي أكثر اتساقًا من الناحية الجمالية والفكرية؛ حيث وُجدت طبقات واضحة من الصنعة، والاحتراف، والاحترام المتبادل بين الكاتب والمتلقي. كانت الأعمال تُنتَج ضمن بنية فكرية تحترم اللغة والخيال وتستند إلى تجارب إنسانية راسخة. أمّا بعد عام 2010، فقد تفككت هذه البنية تدريجيًا نتيجة لعوامل متداخلة: اضطراب المشهد العام، تصاعد سلطة السوق، تغيّر أولويات المنتجين، وصعود فئات جديدة من الكُتّاب والمخرجين بلا مرجعية ثقافية أو فكرية.
💰 من السؤال الإبداعي إلى السؤال التجاري
أدّى تسارع الإيقاع وتضخّم المنصات إلى طغيان الكمّ على الكيف.
لم يعُد السؤال المطروح: ما الذي نريد أن نقوله؟
بل أصبح: ما الذي يمكن أن نبيعه؟
.
وتحوّلت مهمة الكتابة من اكتشاف الإنسان إلى ملاحقة الجمهور،
فأصبحت الأعمال تُنتج لتلبية «الترند» لا لتأسيس الجمال أو الفكر.
🌫️ الضباب الذوقي وتبدّل التلقّي
هذا التحوّل أفرز ما يمكن تسميته بـالضباب الذوقي؛ إذ لم يعُد المتلقي قادرًا على التمييز بين ما هو ناضج وما هو مصطنع، خاصةً في ظل هيمنة الأساليب السردية السريعة واللغة السطحية والبُنى الدرامية الجاهزة.
ومع تراكم المحتوى وتضاؤل الوقت، صار من الطبيعي أن يشعر القارئ أو المشاهد – خاصةً من يمتلك خلفية ذوقية وفكرية – بأن ما يُقدَّم لا يرقى إلى مستوى التلقّي الذي اعتاده، أو لا يمتلك القدرة على لمسه من الداخل.
📚 تحوّل الذائقة لا يعني تراجع الإبداع
ليست المسألة تراجعًا في الجودة فحسب، بل أيضًا تحوّل في طريقة التلقّي. فالمتلقي الذي تراكمت لديه تجارب قراءة ومشاهدة صار أكثر وعيًا وذوقًا، ولم تعد تُرضيه الأعمال السطحية أو المكررة. فهو يبحث – ولو دون وعي – عن عمل صادق، عميق، ومُفارق.
🌟 البحث عن الصدق لا عن الكثرة
شعور البعض بأنهم لا يجدون ما يشدّهم
لا يعني بالضرورة أنّ كل ما يُنتج سيّئ،
بل يعني أن القليل الجيد أصبح مدفونًا في ركام المتشابه.
فالأزمة ليست غياب القيمة، بل غياب الضوء الذي يُسلَّط عليها.
🖋️ ما العمل؟
إنّ من يمتلك هذا الوعي النقدي والحساسية الفنية، لا ينبغي له أن ينتظر من السوق أن يُرضيه، بل عليه أن يُنتج ما يُرضيه هو أولًا؛ أن يكتب ويصنع ويقدّم العمل الذي يُشبعه فكريًا وجماليًا. فهناك دائمًا من ينتظر الصدق والجمال المختلف. وما من عملٍ ناضجٍ صادقٍ خرج إلى النور إلا ووجد من يتلقّاه بامتنان، ولو بعد حين.

0 تعليقات
أترك تعليقاً ملائماً