الدراما ليست فنا أدبياً - السيناريست مصطفى محرم

الدراما ليست فنا أدبياً

 

📚الدراما ليست فناً أدبياً


بقلم السيناريست: مصطفى محرم

هناك من يحاولون دائما أن يربطوا بين الدراما عامة وبين الأدب ويرجع بالطبع إلى جهلهم بأصول الدراما وإلى معرفتهم بالأدب أو تعصبهم الشديد له حتى أنهم يعتبرون بأن الدراما ما هى إلا فن من فنون الأدب، وللأسف فإنهم يتجاوزون في كثير من الأحيان هذا الارتباط الكاذب ويغالون في حكمهم عندما يصرون كل الإصرار الأعمى على أن يحكموا على كل فنون الدراما وفقًا للمقاييس الأدبية.. ونحن لا نفضل الآن أن نوغل في تفاصيل الفنون الدرامية ولكن سوف نحاول أن نثبت بالبحث العلمى بأن القيمة الحقيقية لأى عمل درامى ليس في قراءته مثل قراءة الأعمال الأدبية ولكن فى أدائه بالشكل الذى كتب من أجله. وقد دهشت كثيراً عندما علمت بأن الكاتبين العزيزين محفوظ عبد الرحمن وأسامة أنور عكاشة قد اتفقا فى ندوة فى الجامعة الأمريكية على أن الدراما التليفزيونية هي نوع من الأدب وأن الأخ عكاشة قد دلل على ذلك بأنه كان ينوى طبع أعماله التليفزيونية في كتب ولكن المشروع توقف فحمدت الله أنه توقف. فيبدو أن هذين الكاتبين لا يدركان الكثير من أمر الفن الذى يمارسانه. فهما قد يكونان يكتبان أدباً ولكنهما للأسف لا يكتبان فنا تليفزيونيا وذلك لأن حزمة الكتابة للصورة عندهما أخطأت طريقها .

📖النص الدرامي بين القراءة والأداء

إن قراءة العمل الدرامى والاكتفاء بذلك إنما يفقد القارئ جزءاً كبيراً من المتعة الحقيقية التى عليه أن يحققها عند تأديته، وهذا إذا كان نصاً مسرحيا أو سيناريو لفيلم سينمائى أو سيناريو لعمل درامي تليفزيوني .

يقول الأستاذ الاراديس نيقول: على أن ثمة أمراً ينبغي أن نؤكده باستمرار وذلك أن المسرحية لا يصح بأي حال من الأحوال أن يكون لها كيانها كمجرد عمل من الأعمال الأدبية المكتوبة أو المطبوعة، إذا كان لنا أن نقدرها كفن درامي فيجب أن نفترض أولاً أن المؤلف كان يضع نصب عينيه كلا من الممثلين والجمهور حينما كان يكتب سطوره، وثانيًا يجب أن نتمثل لأنفسنا هذين العاملين. الممثلين والجمهور . ونحن نقرأ أى قطعة من المسرحية . وتؤكد مارجوري بولتون على ما يعنيه الأستاذ نيقول بأن «التمثيلية المطبوعة ليست إلا «وصفة» أو قائمة بأسماء مواد مختلفة لعمل حفلة تمثيلية. فهى لابد من أن تطبخ . وبالأحرى . لابد من الإخراج، وذلك قبل أن تعطينا هذا النوع من الرضا والقبول الذي قصد أن تعطينا إياه. وهذا هو أحد الأسباب التي يمكن من أجلها أن تكون دراسة «تمثيلية مقررة فى معهد أو كلية جامعية دراسة مملة ومضنية إلى حد قد يصيب الدارس بالجنون بل هي في ذلك أشق من دراسة الروايات المقررة .

💡استقلال الدراما عن الأدب

ويتحمس كاتب المسرح الأمريكى إلمر رايس للرأى الذي يطالب باستقلال المسرحية أو الدراما عن الأدب ويرى بأن من يعتقد غير ذلك فإنه يقع في خطأ فادح وذلك لعدم الفهم الجوهرى للدراما . ولذلك فإنه يقول محذرًا أو ناصحا بأن هذا العلم على أنه أب الخطأ الجسيم الذي يقع فيه كل من دارس الأدب ومدرس الدراما هو معالجة .. هذا العلم على أنه فن أدبى ربما كان السبب في ذلك أن من قلت صلتهم الفعلية بالدراما لا يفهمون تماماً جوهر طبيعتها وخصائصها ومهما اختلفت الأسباب فإننا لا ننصح بعلاج الدراما علاجًا أدبيا لأنه خانق ومضلل.

إن خلود شيكسبير فى المسرح يرجع إلى مهارته المسرحية، أما شعره الرفيع فإنه عمل فنى عظيم قد تفسره الترجمة مثلاً، ولكن دون أن تذهب بالتأثير المسرحي لمسرحياته. إن جوهر الدراما هى الحركة لا الكلمة .

⭐الدراما للعرض لا للقراءة

ويحاول روجر إم. بسفيلد أن يحطم الادعاء بشكل سافر بأن الدراما هي هدفها التمثيل والأداء وليس القراءة كما يظن البعض. ولذلك فهو يرى بأن نشر التمثيليات التي تصدر عن برودواى وعن التليفزيون « عملاً مقبولاً ولا غبار عليه ما علم أن السبب الحقيقى الذى من أجله ظهرت تلك التمثيليات كان الأداء والتمثيل وليس القراءة فى أضواء مصابيح المكتبات، وذلك أن ما هو فطرى في طبيعة الفن المسرحى أن اللفظة المكتوبة تترجم ولابد إلى كلام منطوق وفعل.

إن التمثيلية الفاخرة هى صورة خاصة ومميزة من صور الكتابة بصرف النظر عن الوسيط أو المجال الذى قصد بأن تمثل فيه . وثمة قطع إنشائية باقية على وجه الزمن كتبت فى شكل مجادلات ومحاورات مشتملة على عناصر أدبية من شعر وبيان وفصاحة وهى مع ذلك غير مستساغة كمادة مسرحية ومحاورات أفلاطون ومسرحية آل شنش لشيلى مثالان رائعان لهذا النمط من أنماط الأدب.

لقد أوضح «كلايد «فيتش» وهو من كتاب أوائل القرن العشرين المحبوبين الفكرة الحقيقية فى نظرة الناس إلى الأدب عندما كتب يقول: «إن عدد الكتاب المسرحيين الذين يكتبون مسرحيات لها قيمتها كأدب مسرحى يفوق بالكثير عدد الأدباء الذين يكتبون تمثيليات صالحة للمسرح» إن المسرحيات إنما تكتب للتمثيل أمام جمهور النظارة ولا تكتب لكى يقرأها فرد واحد في غرفة المكتب

🎭الفرق بين المسرحية والأدب

أما ريموند وليامز فهو يفرق بين المسرحية والأدب من الناحية التقنية وأن طبيعة الأدب تقتضى بأن يتم نقل التجربة التصورية من خلال كلمات وليس من خلال أداء إلا إذا بالطبع تحول العمل الأدبى إلى عمل درامي. يقول ريموند وليامز: جرت العادة فى اللغة الإنجليزية المعاصرة على التمييز بشكل واضح بين تعبير «المسرحية» و «التمثيل » فبعض الناس لا يرون أن هناك حاجة للنقد الأدبي للمسرحية، إذ أن المعلقين على أشكال الأداء التمثيلي هم وحدهم المسرحيون وقد اتسع نطاق الزعم بأن قيمة تمثيلية ما ليس لها بالضرورة صلة النقاد بقيمتها الأدبية وهناك اعتقاد يصحبه إصرار جازم بأنه يمكن لتمثيلية أن تكون جيدة دون أن تكون أدباً جيداً في نفس الوقت.

والأدب في تعريفه الأعم، هو الوسيلة التى تنتقل بها التجربة التصورية خلال تنظيمات معينة مسطورة للكلمات. ومن الواضح أن المسرحية طالما أنها وجدت في تمثيليات مكتوبة . يجب أن تنطوي تحت هذا التعريف العام. فالتمثيلية بوصفها أداة لنقل التجربة التصويرية هي بشكل واضح النتاج الموجه لمؤلف ما والتوجيه هنا تتم ممارسته في التنظيم النهائى للكلمات . مثلها في ذلك مثل أي شكل أدبى آخر.

ولكن عندما يتحول الأمر فى المسرحية بأداة الانتقال الفعلية والخاصة فإن ما هو بالضرورة تعبير أدبى فردى يصبح في الأداء التمثيلي تعبيراً جمعيًا بشكل واضح.

🎥بين متعة القراءة وسحر المشاهدة

وقد يرجع إقبال بعض الناس على قراءة المسرحية إلى ارتباطهم بقراءة الأدب بل إلى عدم ترددهم على المسارح لأسباب مختلفة، فربما مثلاً يفضلون ما يتخيلونه أثناء القراءة على ما يشاهدونه حقيقة فنية أمام أبصارهم وأنا شخصياً قرأت كثيراً من المسرحيات فى مبدأ حياتى وكنت لا أتردد على المسارح لصغر سنى وعدم استطاعتى المادية. كنت أستمتع بالحوار كثيراً وربما يرجع سبب استمتاعى بالحوار إلى براعة الكاتب خاصةً عندما يقدم مسرحيات ذهنية تعتبر متعة للعقل قبل أن تكون متعة للعين مثل هذه المسرحيات التي كتبها توفيق الحكيم مثل «أهل الكهف» و «شهرزاد». ولكن ملتون ماركس لا يوافق على هذا الاتجاه ويرى أن قراءة المسرحية قد ترضى بعض الناس ولاسيما ذوى الخيال المتقد إلا أنها لا يمكن أبداً أن تحل محل مشاهدتها على المسرح. فقد يقرأ أحدنا مسرحية من المسرحيات ويدرسها مرات عديدة، إلا أنها لا تبرز حية أمام القارئ إلا حين يراها وقد قامت بتمثيلها فرقة قديرة أمام جمهور من المشاهدين.

🎵الدراما لغة الصورة والحركة

إن التفكير بالصورة موجود في مخيلة الإنسان أو فى ذهنه قبل الكلمة وكانت الحركة بمثابة لغة عند البدائيين. لغة لا تعرف النطق ولكنها عرفت الصورة. فالحركة هى روح الحياة والحياة بدون حركة هى الموت. وحتى عندما ينام الإنسان ويسكن جسده ينتقل إلى عالم الأحلام، وهو عالم يموج بالحركة وبالصور المختلفة المتحركة والتى تعبر عن الرغبات الدفينة في نفس الإنسان فالأحلام ما هي إلا وجه من وجوه الدراما مظهرها الحركة والصورة وعندما تصبح الصورة هى اللغة السائدة وأصبح التعبير بها له معنى معين يصبح للدراما مسميات أخرى كالسينما والتليفزيون. تصبح الدراما هنا بعيدة كل البعد عن عالم الأدب الذي تحكمه الكلمة . كان أوجستس توماس، وهو مؤلف عدد كبير من المسرحيات فيما بين عامى ۱۹۰۰ و ۱۹۲۰ يذهب إلى ترجيح الفعل البصرى أى الموضوع الذي تعتمد المشاهدة أو «الفرجة فيه على البعد أكثر مما تعتمد على السمع ولاسيما إذا كان الفعل سيجرى أمام جمهور من النظارة من أصل أجنبي وكانت حجة توماس التي لم تكن تخلو من بعض الوجاهة هى أن العين أكثر ثقافة من الأذن ونقل المعلومات عن طريق العين يجرى بأسلوب مباشر أقوى مما يجرى عن طريق الأذن، والعرض عن طريق العين ينقل إليك الشيء نفسه أما العرض عن طريق الأذن فلا ينقل الشيء إلا بالرموز ومن خلال كل ما عرضنا من آراء نجد أن هناك اتفاقا هو الأغلب بأن الدراما شيء والأدب شيء آخر وأن الدراما خلقت لكى تؤدى حسب الوسيط الذي يستخدمها إذا كان مسرحاً أو سينما أو تليفزيون وأن قراءة الدراما لا تؤدى الغرض منها وإنما تعتبر قراءة ناقصة لأن قيمتها الحقيقية تبرز عندما يتم تجسيدها فنيا .

🕹️النقد الأدبي والدراما

يقول بابلو كازالس وهو واحد من عظماء فناني عصرنا : «أعتقد أنه لا يكفى الفنان أن يتعلم الموسيقى بعينيه وحدهما : بل إنه بحاجة إلا أن يمر بتجربة الصوت ماديًا . وعلى الرغم من أن الصوت فى ذاته لن يغير فكرته عن العمل فإن انتقال الصوت إلى الأذن يبعث فيها نوعين من النشوة التي هي مفيدة ومثمرة وإنما لأشعر عندما أمر بتجربة الصوت أن ثراءه يساعدنى على إبداع أدائى على نحو مختلف عن الاكتفاء بالقراءة من مدونة .

ولكن المؤسف أن نرى نقادنا وهم يتمسكون بالقيم الأدبية في حالة معرفتهم بها ويحاولون تطبيقها على الأعمال الدرامية. بل إن الكثير منهم يحكمون على العمل الدرامى حسب توجهاتهم السياسية والدينية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية. وهم لذلك يهتمون بالمحتوى أو المضمون فقط بصرف النظر عن الطريقة التي عولج بها هذا المحتوى. ويشيدون بأعمال هزيلة فنيا من أجل أنها تحتوى على مضمون يتوافق مع اتجاهاتهم متجاهلين القيم الفنية أو عاجزين عن إدراكها . يقول مارك شورر: «لقد أظهر لنا النقد الحديث أن الحديث عن المحتوى في حد ذاته ليس حديثًا عن الفن أبدا، ولكن حديثًا عن التجربة، وأننا لا نتحدث بوصفنا نقادا إلا حين نتحدث عن المحتوى المنجز، أى شكل العمل الفني بوصفه عملاً فنيًا . والفرق بين المحتوى أو التجربة والمحتوى المنجز هو التقنية. إذن فحين نتحدث عن التقنية فإننا نتحدث عن كل شيء تقريبا .

🎯وأخيراً

من خلال كل ما عرضنا من آراء نجد أن هناك اتفاقا هو الأغلب بأن الدراما شيء والأدب شيء آخر وأن الدراما خلقت لكى تؤدى حسب الوسيط الذي يستخدمها إذا كان مسرحاً أو سينما أو تليفزيون وأن قراءة الدراما لا تؤدى الغرض منها وإنما تعتبر قراءة ناقصة لأن قيمتها الحقيقية تبرز عندما يتم تجسيدها فنيا.

 موقع الشمس اليوم

إرسال تعليق

0 تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشمس اليوم