الإعلامي أحمد سلامة يطلق حلقة جديدة عن خلية ياماناكا واكتشافاتها المدهشة
كتب : محمد عبدالرحمن
مع كل ظهور جديد، يثبت الإعلامي والبلوجر أحمد سلامة حضوره كصوت شبابي مميز يجمع بين البساطة والعمق. من خلال قناته على يوتيوب، يطرح أحمد موضوعات علمية وثقافية بطريقة سلسة تشد المتابع وتفتح أمامه آفاقًا جديدة للتفكير والمعرفة.
في حلقته الجديدة، يتناول أحمد سلامة موضوع "خلية ياماناكا"، أحد أهم الاكتشافات العلمية في مجال البيولوجيا الحديثة، حيث يشرح الفكرة وأبعادها العلمية والإنسانية بأسلوب مبسط وشيّق يليق بجمهور يبحث عن المعرفة الموثوقة بلغة قريبة من القلب والعقل.
🚀 ندعوكم لمشاهدة الجزء الأول من الحلقة، والاستمتاع بالمحتوى المتكامل عبر قناته الرسمية على اليوتيوب. لا تفوتوا الفرصة لمتابعة حلقة ثرية بالمعلومات، تقدمها شخصية إعلامية صاعدة تستحق كل الدعم.
مشاهدة الحلقة من خلال اليوتيوب من هنا
موضوع الحلقة
خلية ياماناكا
في مطلع القرن العشرين ،سادت محاولات جريئة لتجديد الشباب عبر وسائل بيولوجية بدائية …
على سبيل المثال ،قام العالم الفرنسي شارل إدوار براون سيكوارد عام 1889 (قبل القرن العشرين بقليل )بحقن نفسه بخلاصة من خصى حيوانات بهدف استعادة الحيوية والشباب …
وقد ادّعى حينها أنه شعر بتحسّن في حالته البدنية والعقلية ،مما أثار اهتمام الأوساط العلمية بفكرة أن مستخلصات الغدد قد تحمل سرًا للشباب الدائم …
وفي العقد الثاني من القرن العشرين ،ظهر عالم آخر هو عالم الفسيولوچيا النمساوي يوجين شتايناخ الذي اعتقد أنه اكتشف وسيلة “للتجديد الذاتي” عبر عملية ربط القناة الناقلة للمني (قطع القناة المنوية ) في ذكور الحيوانات والبشر ،فقد رأى شتايناخ أن هذه العملية تؤدي إلى بقاء هرمونات الخصيتين في الجسم لفترة أطول ومن ثم تجديد شباب الفرد .وبالفعل ،أجرى أول عملية قطع للقناة المنوية بغرض التجديد لشخص مسن عام 1918
انتشرت عملية “شتايناخ” في عشرينيات القرن العشرين وأقبل عليها العديد من الباحثين والمشاهير (منهم عالم النفس سيغموند فرويد والشاعر الأيرلندي دبليو. بي. ييتس ) ،إذ ادعى بعضهم أنها منحتهم ما أسموه “بلوغ سن البلوغ الثاني” من حيث الحيوية والنشاط .ورغم الانتشار الواسع ،ظلّت نتائج هذه العملية محل جدل علمي ،حيث حذر بعض الأطباء آنذاك من الإفراط في التفاؤل ودعوا إلى أدلة إحصائية أكثر متانة قبل تبنّيها ...
رغم الجدل المحيط بمحاولات “إكسير الشباب” في العشرينات ،بدأت في الثلاثينات من القرن العشرين تتشكل معالم منهج علمي أكثر انضباطًا في دراسة الشيخوخة .أدرك العلماء ضرورة فهم أساسيات البيولوچيا الخاصة بالهرم قبل ادعاء ابتكار علاجات .في عام 1932 أُنشئ في الولايات المتحدة معهد الأبحاث حول الشيخوخة ، وتأسست لاحقًا جمعية علم الشيخوخة الأمريكية عام 1945 لجمع الباحثين المهتمين بهذا المجال الناشئ ...
أحد أبرز الإنجازات العلمية في عقد 1930 كان اكتشاف تأثير تقييد السعرات الحرارية على إطالة العمر .ففي عام 1935 ،أجرى الدكتور كلايف ماكي وزملاؤه في جامعة كورنيل تجربة رائدة على الفئران :قاموا بتقليل السعرات الحرارية التي تتناولها الفئران بنحو 30-40% مع الحفاظ على العناصر الغذائية الأساسية ،فكانت النتيجة زيادة ملحوظة في متوسط عمر الفئران وكذلك تأخير ظهور أمراض الشيخوخة …
فقد عاشت الفئران ذات الحمية المحدودة حوالي 4 سنوات مقارنة بـ3 سنوات لفئران مجموعة التحكم ،أي بزيادة تقارب 33% في الحد الأقصى للعمر .ليس ذلك فحسب ،بل لوحظ أن الفئران مُقيّدة السعرات بدت أكثر حيوية وشبابًا لفترة أطول ،وتراجعت لديها معدلات الإصابات بالأورام والأمراض المزمنة مقارنة بأقرانها التي أُطعمت بحرية …
كانت هذه أول دلالة تجريبية صارخة على أن معدل الشيخوخة يمكن التلاعب به عبر تدخل بيولوجي بسيط نسبيًا (الحمية ) …
منذ تلك التجربة التاريخية ،تأكد الباحثون في العقود التالية أن تقليل السعرات دون سوء تغذية يطيل عمر العديد من الكائنات (من الخميرة والديدان إلى الذباب وصولًا إلى الفئران والجرذان ) ،وأصبح مفهوم تقييد السعرات الحرارية ( Caloric Restriction) ركيزة أساسية في أبحاث إبطاء الشيخوخة …
بحلول الأربعينات ،أظهرت دراسات أخرى أن الفئران المُقيّدة غذائيًا تتمتع أيضًا بصحة أفضل خلال حياتها ؛إذ تأخر لديها تدهور وظائف الجهاز المناعي والعصبي وتأجلت مظاهر مثل ضعف الذاكرة وترقق الجلد وغيرها .هذه النتائج رسخت فكرة أن الشيخوخة عملية بلاستيكية نسبيًا يمكن إبطاؤها ،مما فتح الباب أمام التساؤل :هل يمكن للبشر الاستفادة من ظاهرة تقييد السعرات أو مكافئاتها؟ (سنتطرق لاحقًا إلى التجارب الحديثة على الرئيسيات والبشر ) .
شهدت الأربعينات من القرن العشرين أيضًا التأكيد على أهمية الأمراض المزمنة المرتبطة بالشيخوخة كموضوع بحثي .ازداد اهتمام العلماء بمعالجة أمراض الشيخوخة (كأمراض القلب والتهاب المفاصل والسرطان )كسبيل غير مباشر لإطالة عمر الإنسان الصحي .على سبيل المثال ،في عام 1947 نُشرت أبحاث تربط بين التقدم بالعمر وبين ارتفاع معدلات مرض السكري في السكان المسنّين …
وفي 1950 وُصفت الشيخوخة نفسها بأنها عامل خطر لكثير من الأمراض المزمنة .هذا الاتجاه البحثي ركز على “إطالة فترة الصحة” أكثر من التركيز المباشر على إطالة العمر بحد ذاته ،لكنه ساهم في تراكم فهم بيولوچي أعمق لآليات الأمراض والشيخوخة
في الخمسينات ظهر دواء جيروفيتال H3 ((Gerovital المثير للجدل .فقد قامت الطبيبة الرومانية أنا أسلان خلال الفترة 1946-1956 باختبار تأثير عقار مخدّر موضعي قديم هو البروكاين (نوفوكايين) بجرعات صغيرة على المدى الطويل ،وادّعت أنه يُحدث تأثيرات “مُجددة للشباب” عند كبار السن .طوّرت أسلان مستحضرًا خاصًا أسمته جيروفيتال يحتوي على بروكاين بتركيبة معينة ،وزعمت أن الاستخدام المنتظم له يحسّن الوظائف الخلوية والاستقلابية لدى المسنين ويبطئ شيخوختهم .
بحلول أواخر الخمسينات والستينات ،انتشر صيت جيروفيتال عالميًا كـ“عقار مضاد للشيخوخة” ،وراجت له مصحات خاصة في رومانيا وغيرها قصدها مشاهيرٌ بحثًا عن الشباب الدائم …
لكن المجتمع العلمي الغربي بقي متشككًا ،فالبروكاين بحد ذاته معروف كمخدر موضعي وليس واضحًا كيف يمكن أن يطيل العمر .ورغم إدعاء أسلان وفريقها وجود نتائج إيجابية ،ظهرت دراسات مضادة تجد أن التأثيرات لا تتجاوز تحسينًا مؤقتًا في المزاج وربما بعض التأثير المضاد للاكتئاب …
في السنوات اللاحقة وُضع جيروفيتال تحت الفحص العلمي الجاد وتبين أن الأدلة على فائدته كمضاد شيخوخة ضعيفة ،حتى أن هيئة الدواء الأمريكية FDA حظرت استيراده في السبعينات واعتبرته علاجًا زائفًا .ومع ذلك ،تبقى قصة جيروفيتال مثالاً على الرغبة الجامحة وقتها لإيجاد “حبّة سحرية” ضد الشيخوخة ،وكيف أن هذه الرغبة استغلها البعض تجاريًا قبل تحقق الاشتراطات العلمية الصارمة .ورغم الخلاف ،حفزت تجربة أسلان الباحثين على التنقيب في أدوية أخرى قد تكون لها خواص مضادة للشيخوخة ،وسنرى لاحقًا أن بعضها أثبت فعاليته في نماذج حيوانية .
رغم ذلك ،حققت السبعينات اكتشافات مهمة مهدت الطريق لطفرة حقيقية في العقود اللاحقة .على سبيل المثال ،تراكمت أدلة في أوائل السبعينات على دور الميتوكوندريا في الشيخوخة .ففي 1972 طرح هارمان نفسه تحديثًا لنظريته يقترح فيه أن الميتوكوندريات (محطات توليد الطاقة في الخلية ) هي المصدر الأساسي للجذور الحرة الضارة خلال الشيخوخة .
كما اكتُشفت آليات إصلاح DNA قوية في الثدييات (مما دحض نظرية الطفرات الجسدية كأساس وحيد للشيخوخة ) .وبدأ علماء الأعصاب في رصد التغيرات الدماغية مع العمر مثل تراكم لويحات بروتين بيتا أميلويد في مرض ألزهايمر (اكتشاف ألويس ألزهايمر للويحات عام 1906 أعيد تسليط الضوء عليه في سياق الشيخوخة العصبية ) .وفي عام 1967 ظهر مصطلح “طب الشيخوخة” (geriatrics ) كإختصاص طبي يعنى برعاية المسنين ،وترافق ذلك مع اهتمام بخفض عوامل الخطر لدى المسنّين أكثر من إطالة أعمارهم .
إن أحد التطورات الملفتة في السبعينات والذي لم يُقدر حق قدره إلا لاحقًا هو إجراء دراسات وراثية على كائنات حية قصيرة العمر بحثًا عن طفرات تطيل العمر .ففي عام 1977 تقريبًا ،بدأ الباحثون باستخدام دودة صغيرة شفافة تدعى سي. إليغانز (C. elegans) ككائن نموذجي لدراسة الشيخوخة …
هذه الدودة تعيش فقط حوالي 2-3 أسابيع ،مما أتاح دراسة دورة حياتها بسرعة .في عام 1983 ،نشر الباحث مايكل كلاس نتائج طريقته في إحداث طفرات عشوائية في الديدان واختيار السلالات التي تعيش عمرًا أطول من المعتاد .بالفعل عثر كلاس على طفرات زادت عمر الديدان قليلاً وأرسى أسس منهجية عزل “جينات طول العمر” في الكائنات الحية …
هذه النتائج لم تحظَ باهتمام واسع فورًا ،لكنها كانت بداية تحول جذري :إثبات أن للچينات دورًا رئيسيًا في تحديد سرعة الشيخوخة .تلا ذلك في أواخر الثمانينات تمكن الباحث توم جونسون من تحديد أول طفرة چينية مفردة تطيل عمر الديدان وهي طفرة في چين سماه Age-1 أدت لزيادة عمر الدودة بنحو 40-60% .
ثم جاءت الطفرة الأبرز عام 1993 على يد العالمة سينثيا كينيون التي اكتشفت أن طفرة في چين واحد لدى الديدان يسمى daf-2 يمكنها مضاعفة متوسط عمرها تقريبًا …
جين daf-2 تبيّن أنه يشفر مستقبلًا لهرمون شبيه بالأنسولين ،مما ربط للمرة الأولى بين مسار هرموني (مسار الأنسولين وعامل النمو IGF-1 ) وتنظيم طول العمر .كان هذا الكشف بمثابة نقلة نوعية :فإذا كانت دودة بسيطة يمكن أن تعيش ضعفي عمرها بسبب تغير جيني واحد ،فهذا يوحي بأن الشيخوخة عملية بيولوچية قابلة للتعديل وليست حتمية صارمة .
في السنوات التالية تبيّن أن المسار ذاته (الأنسولين/IGF-1) محفوظ عبر التطور :طفرات أو تعديلات تقلل إشارات هذا المسار تؤدي أيضًا لإطالة عمر ذبابة الفاكهة وحتى الفئران (سنأتي لذلك ) .لقد دشّنت اكتشافات كلاس وجونسون وكينيون عصر علم الأحياء الجزيئي للشيخوخة ،والذي من خلاله أمكن تحديد العديد من الچينات الأخرى المؤثرة على العمر واستخدام الكائنات النموذجية السريعة العمر لإجراء اختبارات مكثفة .
في أوائل التسعينات أيضًا ،عاد الاهتمام إلى الهرمونات كعلاج للشيخوخة ولكن هذه المرة بمنهجية أكثر علمية .ففي عام 1990 نشر دانيال رودمان وزملاؤه في مجلة NEJM نتائج تجربة سريرية صغيرة أحدثت ضجة إعلامية آنذاك :قاموا بحقن هرمون النمو البشري (GH) لعدد 12 رجلًا مسنًا (أعمار 61-81) يعانون انخفاضًا بهرمون IGF-1 لمدة 6 أشهر ،ومقارنة النتائج مع مجموعة مشابهة لم تتلقَّ العلاج .
وجدوا أن العلاج بهرمون النمو أدى إلى زيادة الكتلة العضلية الخالية من الدهون بنسبة 8.8% في المتوسط ،وانخفاض كتلة الدهون في الجسم بنسبة 14%، بالإضافة إلى زيادة سماكة الجلد بنسبة تقارب 7% وتحسّن كثافة العظام في العمود الفقري .
هذه التغييرات تعادل في مجملها عكس حوالي 10-20 سنة من التدهور المرتبط بالعمر فيما يخص تركيب الجسم .وخلص الباحثون إلى أن جزءًا من التغيرات الجسدية للشيخوخة ينتج عن نقص هرمون النمو ويمكن جزئيًا تصحيحه بإعطاء الهرمون …
أثارت الدراسة آمالاً كبيرة آنذاك وتناقلتها وسائل الإعلام كأن “علاج الشيخوخة أصبح ممكنًا”،ما أدى إلى انتشار استخدام هرمون النمو في عيادات الطب التجميلي ومكافحة الشيخوخة التجارية خلال التسعينات .لكن الباحثين حذروا أن هرمون النمو ليس عصًا سحرية ؛صحيح أنه حسن تكوين الجسم لدى المشاركين لكنه قد يسبب تأثيرات جانبية خطيرة (مثل زيادة خطر السكري أو مشاكل المفاصل ) …
وبالفعل ،لم تُثبت أي دراسة لاحقة أن إعطاء هرمون النمو يطيل العمر أو يحسّن صحة المسنين على المدى الطويل ،بل على العكس ارتبط ارتفاع مستويات هرمون النمو بتقصير العمر في دراسات الحيوان (كما رأينا في الفئران القزمة حيث غياب الهرمون أطال العمر ) .
وهكذا ،بقي استخدام هرمون النمو كعلاج للشيخوخة موضع جدل بين مؤيد يركز على فوائده لمظهر الجسم ،ومعارض يؤكد مخاطره وعدم تأثيره على طول العمر الحقيقي .إجمالًا، علمتنا تجربة هرمون النمو ضرورة توخي الحذر في تفسير المؤشرات الحيوية للشباب (مثل كتلة العضلات والجلد ) وعدم الخلط بينها وبين العمر البيولوچي أو العمر المتوقع .
في عام 1999 ،اكتشف الباحثون فئة جديدة من الچينات لها صلة بالشيخوخة في الخميرة أطلقوا عليها اسم عائلة السيرتوين (Sirtuins ) .فقد وجد ليونارد غوارانتي وزملاؤه أن زيادة التعبير عن چين يدعى Sir2 في خلايا الخميرة أدى إلى إطالة عمرها الخلوي .
تبين أن Sir2 يرتبط بتنظيم صامت للمادة الوراثية وتصليحها ،ومن المثير أن نشاطه يزداد عند إخضاع الخميرة لتقييد السعرات .خلال بضع سنوات ،تبيّن وجود نظائر لعائلة Sir2 في الديدان والذباب وحتى الثدييات (حيث يوجد 7 جينات SIRT1-7) .
وقد أظهرت دراسات لاحقة أن زيادة التعبير عن بعض هذه الچينات في الديدان أو الذباب يمكن أن تحسّن الصحة وربما تطيل العمر بنسب معينة ،رغم أن الموضوع كان محل نقاشات حول دقة النتائج. هذه الاكتشافات ولّدت حماسًا لتطوير مواد كيميائية تنشّط بروتينات السيرتوين لمحاكاة تأثير الحمية دون الحاجة لتجويع الكائن …
وبالفعل، في عام 2003 أعلن فريق بقيادة ديفيد سنكلير عن اكتشاف مركب طبيعي موجود في النبيذ الأحمر هو مركب الريسفيراترول (Resveratrol) يستطيع تنشيط بروتين SIRT1 (نظير Sir2 في الثدييات ) في أنابيب الاختبار .الأكثر إثارة أن الريسفيراترول حين أُعطي بكميات عالية للخميرة مدد عمرها بنسبة تصل إلى 70% ،كما أدى إلى زيادة عمر ديدان سي إليغانز وذباب الفاكهة بنسبة ملحوظة في بعض الدراسات .وفي عام 2006 ،نُشرت دراسة مفصلية أظهرت أن إعطاء الريسفيراترول لفئران تتبع حمية عالية الدهون حسّن صحتها وزاد بقاءها على قيد الحياة مقارنة بفئران عالية الدهون بدون ريسفيراترول …
وعلى الرغم أن الريسفيراترول لم يثبت أنه يزيد العمر الأقصى للفئران ذات النظام الغذائي العادي ،إلا أنه أثبت تحسينًا واضحًا للصحة والوظائف المرتبطة بالسن المتقدم في عدة أنظمة حيوية ،بما فيها تحسين حساسية الأنسولين وتقليل التهابات الأنسجة الدهنية لدى قرود تغذت على غذاء مرتفع الدهون .
شكّلت تلك النتائج دليلًا على مبدأ أن المواد الكيميائية الصغيرة يمكن أن تتدخل في شبكات تنظيم الشيخوخة مثل مسار السيرتوين لتحسين الصحة وربما إطالة العمر الصحي للكائنات .قاد هذا إلى موجة من الاهتمام الصناعي؛ فدخلت شركات تقنية حيوية هذا المضمار، وأُنشئت شركات مثل Sirtris (2004) لتطوير عقاقير تحاكي عمل الريسفيراترول لكن بفعالية أعلى، وقد أنتجت أجيالًا من ما سمي “منشّطات السيرتوين”.
ورغم أن بعضها وصل لتجارب سريرية في السكري وأمراض أخرى ،فإن الصورة لا زالت معقدة حول مدى فائدة استهداف السيرتوينات في إطالة عمر الإنسان ،إذ أن نتائجها في نماذج الحيوان جاءت متفاوتة .لكن الثابت أنها فتحت مجالًا جديدًا تمامًا في أبحاث مكافحة الشيخوخة الدوائية .
في أواخر عام 2011 ،تمكن فريق بقيادة يان فان دورسن من تصميم فئران معدلة وراثيًا بحيث يمكن “قتل” خلاياها الشائخة دوائيًا عند تفعيل چين انتحاري فيها .وعندما أُزيلت الخلايا الشائخة من أجسام الفئران بهذه الطريقة ،شهدت الفئران تحسنًا في عدة جوانب صحية وتأخرًا في ظهور إعتام عدسة العين وضعف العضلات وغيرها من آفات الشيخوخة …
ثم في 2015 حقق فريق في مايو كلينيك بقيادة جيمس كيركلاند قفزة أخرى ،حين تعرفوا على أول مركبات دوائية تقتل الخلايا الشائخة بشكل انتقائي دون إضرار الخلايا الطبيعية – هذه المركبات أطلق عليها اسم “سينوليتكات” (Senolytics) .
من بين تلك المركبات مزيج من دواء السرطان داساتينيب Dasatinib ومركب طبيعي هو كويرسيتين Quercetin ،حيث وجد الباحثون أن هذا المزيج يقضي على الخلايا الشائخة في الفئران ويحسن حالتها الصحية ...
كان على المجتمع العلمي الانتظار حتى عام 2018 ليعرف نتيجة سؤال حاسم :هل التخلص من الخلايا الشائخة يطيل عمر الفئران ؟في ذلك العام ،نشرت مجموعة مايو كلينيك نتائج تجربة على فئران مسنّة تلقّت جرعات دورية من مزيج داساتينيب+كويرسيتين ،وأظهرت النتائج أن الفئران المعالَجة عاشت 36% أطول من الفئران غير المعالجة من نفس العمر …
إضافة لذلك، بدت الفئران بحالة صحية أفضل :تحسن أداؤها البدني (قدرتها على الجري وقوة قبضتها ) ،وتراجع لديها حدوث أمراض عديدة متعلقة بالشيخوخة دون إطالة فترة الضعف الأخيرة –أي زاد “عمرها الصحي” مع عمرها بشكل متناسب .
هذه النتائج وفرت “دليلًا قاطعًا” على أن الخلايا الشائخة ليست مجرد أثر جانبي للشيخوخة بل مساهم قوي فيها ،وأن إزالتها تعد استراتيچية واعدة لإبطاء الشيخوخة وإطالة العمر .مباشرةً ،شجعت هذه النتائج على تأسيس شركات ناشئة تستهدف تطوير عقاقير سينوليتكية بشرية ،ودخل بعضها التجارب السريرية الأولية فعلًا .
أيضًا خلال 2020-2021 ،برز اهتمام علمي بوسيلة نصف دوائية نصف حياتية لمكافحة الشيخوخة هي تبديل أو تعديل الدورة الدموية .لقد أظهرت دراسات “البارابيوز” (ربط الدورة الدموية لحيوانين ) منذ 2005 أن توصيل دم حيوان شاب بآخر مسن يمكن أن يجدد بعض الأنسجة لدى المسن ويشيخ بعض أنسجة الشاب …
هذا دفع الشركات إلى محاولة تطوير علاجات قائمة على بلازما الدم .لكن في 2020 ،نشرت عالمة تدعى إيرينا كونبوي دراسة تشير إلى أن تجديد شباب الدم ليس بحاجة لدم شاب بالكامل ؛إذ وجدت أن مجرد تخفيف بلازما الدم المسن بنسبة 50% واستبدالها بمحلول ملحي وألبومين (بلازما اصطناعية ) كان كافيًا لتحفيز عمليات تجديد وتحسين وظائف العديد من الأنسجة في فئران مسنة .
أي أن التخلص من عوامل ضارة متراكمة في دم المسن قد يكون هو الفكرة الأساسية ،أكثر من إضافة عوامل شابة .هذه الفكرة المثيرة للاهتمام يجري استكشافها ،وقد تبدأ تجارب لمعرفة إن كان تبديل جزء من بلازما المسنين بسوائل ممددة يحسن صحتهم (علما أن تبديل البلازما تقنية مستخدمة طبياً بالفعل لبعض الأمراض المناعية ) .



0 تعليقات
أترك تعليقاً ملائماً