الجاسوس إيلي كوهين: ولد في مصر وجُند في إسرائيل وعُدم في سوريا

   

وثائق استخباراتية تكشف تقارير إيلي كوهين إلى الموساد الإسرائيلي

إيلي كوهين.. الجاسوس الذي كاد يحكم سوريا 🕵️‍♂️🔥

كتب : سلمى عبداللطيف

في عالم المخابرات والتجسس، لا شيء يبدو مستحيلاً. هناك من يخترق الجيوش، ومن يزرع نفسه في قلب العدو، ومن كاد أن يصل إلى قمة السلطة في دولة معادية.
هذه ليست حبكة لفيلم سينمائي، بل قصة حقيقية عاشها الشرق الأوسط في الستينيات.
إنه إيلي كوهين، الرجل الذي عرفته دمشق باسم كامل أمين ثابت، الجاسوس الإسرائيلي الذي استطاع أن يخدع الجميع لسنوات، قبل أن ينتهي مشنوقًا في ساحة المرجة 🇸🇾.


من الإسكندرية إلى عالم الجاسوسية 📜

وُلد إيلي كوهين عام 1924 في مدينة الإسكندرية، وسط مجتمع يهودي مصري مزدهر آنذاك. كان شابًا ذكيًا يميل إلى التنظيم والانضباط، ما جعله ينضم عام 1944 إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني.
هناك بدأ اهتمامه بالسياسة الصهيونية، ودعمه لحلم “الدولة اليهودية” في فلسطين.

بعد حرب 1948، تحوّل كوهين إلى أحد النشطاء الذين يشجعون على هجرة اليهود المصريين إلى إسرائيل، وشارك في أعمال سرية لتسهيل رحيلهم. وفي تلك الفترة، ارتبط اسمه برجل ظلّ غامض يُدعى إبراهام دار، الذي قدم إلى مصر تحت اسم مستعار هو جون دارلينج.
دار كان ضابطًا بارزًا في الاستخبارات الإسرائيلية، جاء لتأسيس شبكة تجسس واسعة داخل مصر، هدفها تنفيذ عمليات تخريبية لزعزعة الاستقرار وإفساد العلاقات المصرية–الأمريكية.

هذه الشبكة نفّذت في عام 1954 عمليات تفجير استهدفت مؤسسات أمريكية في القاهرة والإسكندرية، فيما عُرف لاحقًا باسم فضيحة لافون، والتي شكّلت ضربة قاسية لإسرائيل بعد انكشافها.
لكن كوهين استطاع الإفلات من الشبهات، مقنعًا المحققين ببراءته حتى غادر مصر عام 1955 متجهًا إلى إسرائيل، إلا أن المخابرات المصرية ظلت تراقبه عن قرب 👀.

إيلي كوهين الجاسوس الإسرائيلي الذي عمل في سوريا باسم كامل أمين ثابت



تحت جناح الموساد 🇮🇱

في تل أبيب، استأنف كوهين حياته الجديدة، فعمل محاسبًا ومترجمًا في وزارة الدفاع الإسرائيلية. ورغم أنه بدا موظفًا عاديًا، فإن عيني الموساد لم تغفلا عنه.
كانوا يرون فيه مشروع جاسوس مثالي:
يتقن العربية، ملمّ بالثقافة الإسلامية، ومظهره لا يثير الشبهات في أي بلد عربي.

وفي عام 1959، وبعد زواجه من ناديا، وهي يهودية من أصل عراقي، قررت المخابرات الإسرائيلية إعادة تأهيله وتجنيده رسميًا.
بدأت مرحلة التدريب المكثّف: تعلّم استخدام أجهزة اللاسلكي، والكتابة بالحبر السري، ودراسة الأوضاع السياسية في الدول العربية، وبالأخص سوريا التي كانت حينها هدفًا استخباراتيًا بالغ الأهمية.


ولادة هوية جديدة 🎭

رُسمت لكوهين قصة دقيقة التفاصيل جعلت منه شخصًا آخر تمامًا.
أصبح اسمه الجديد كامل أمين ثابت، رجل أعمال سوري مسلم، وُلد في الإسكندرية لعائلة سورية الأصل، ثم هاجر إلى الأرجنتين عام 1947 بعد وفاة والديه.
حفظ سورًا من القرآن الكريم، وأتقن اللهجة السورية حتى بدت طبيعية تمامًا على لسانه.
وفي عام 1961، غادر إسرائيل إلى زيورخ، ومنها إلى سانتياغو في تشيلي، قبل أن يستقر في بوينس آيرس بالأرجنتين.

في العاصمة الأرجنتينية، لعب دوره ببراعة مدهشة.
كان كريمًا، أنيقًا، وصاحب حضور قوي. أقام علاقات مع رجال أعمال ودبلوماسيين سوريين، وأصبح شخصية مرموقة في الجالية العربية هناك.
كل من يعرفه كان يراه “الوطنية تمشي على قدمين”، وهو بالضبط ما أراده الموساد.
بعض الشائعات قالت إنه التقى بالعقيد أمين الحافظ الذي سيصبح لاحقًا رئيس سوريا، لكن التاريخ يشير إلى أن ذلك اللقاء غير مؤكد بسبب اختلاف التوقيتات.


الرحلة إلى دمشق 🇸🇾

في يناير 1962، حان وقت الانتقال إلى المرحلة الأخطر.
غادر “كامل أمين ثابت” بوينس آيرس متجهًا إلى دمشق، بعد أن مرّ بعدة عواصم أوروبية ليُبعد أي شبهة عن رحلته.
حين وصل إلى مطار دمشق، كان في انتظاره مستقبلون يثقون في “رجل الأعمال الوطني” القادم لخدمة بلاده.

استأجر منزلًا راقيًا في حي أبو رمانة، وبدأ بسرعة في إقامة الحفلات والمآدب التي جمعت كبار الضباط والمسؤولين السوريين.
كان لطيف الحديث، واسع الكرم، لا يتحدث في السياسة مباشرة، لكنه يُظهر اهتمامًا صادقًا بالشأن الوطني، ما جعل الجميع يثقون فيه.

وبهدوء، بدأ يتسلل إلى الدوائر العليا في حزب البعث والجيش السوري.
كوّن صداقات وثيقة مع قادة عسكريين، ودُعي لزيارة التحصينات في مرتفعات الجولان، وهناك التقط صورًا سرية باستخدام كاميرا دقيقة مخبأة داخل ساعة يده ⌚.

إيلي كوهين، كامل أمين ثابت، الجاسوس الإسرائيلي، الجاسوس في سوريا، الموساد



أخطر جواسيس الموساد 🕵️‍♂️

كانت تقاريره تصل إلى تل أبيب مرتين أسبوعيًا، محمّلة بتفاصيل خطيرة عن البنية العسكرية السورية.
كشف عن مواقع التحصينات والخطط الدفاعية، ونقل معلومات دقيقة عن تسليح الجيش السوري بالدبابات الروسية من طراز T-54 وT-55،
كما قدّم للموساد وصفًا شاملًا لخطة اجتياح شمال إسرائيل في حال اندلاع الحرب.

كل رسالة من كوهين كانت بمثابة كنز استخباراتي.
حتى أن قادة إسرائيل قالوا عنه لاحقًا: "لو عاش إيلي كوهين عامًا إضافيًا لربما أصبح نائبًا للرئيس السوري."
فقد كانت شعبيته تزداد داخل أروقة الحكم، وأصبح مرشحًا لمناصب رسمية عليا، وهو ما جعل الموساد يعيش نشوة النصر 🎯.


السقوط المفاجئ ⚡

لكن دوام الحال من المحال.
عام 1965، بدأت أجهزة الأمن السورية تلتقط إشارات لاسلكية غامضة تُبث من حي أبو رمانة في دمشق.
كانت السيارة الخاصة برصد الموجات تدور في الشوارع ليلًا ونهارًا حتى حددت المبنى الذي يسكنه “كامل أمين ثابت”.

تمت المداهمة في فجر أحد الأيام، وضُبط كوهين متلبسًا أمام جهاز الإرسال.
حاول الإنكار في البداية، لكن الأدلة كانت قاطعة.
اعترف بكل شيء، وسرعان ما تحوّلت قصته إلى فضيحة استخباراتية عالمية.

وفي صباح 18 مايو 1965، اقتيد إيلي كوهين إلى ساحة المرجة، حيث تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا أمام آلاف المواطنين الذين احتشدوا لمشاهدة نهاية الجاسوس الذي خدع بلدهم.
بقي المشهد محفورًا في ذاكرة السوريين والعرب حتى اليوم 🔥.


الرواية المصرية 🇪🇬

تقول بعض التقارير الاستخباراتية المصرية إن رأفت الهجان (رفعت الجمال) كان له دور في كشف كوهين.
فخلال فترة عمله في إسرائيل، تعرف عليه في إحدى الحفلات كممول يهودي ثري.
وبعد سنوات، وبينما كان في روما في مهمة سرية، شاهد صورته في صحيفة لبنانية تحت عنوان:

“كامل أمين ثابت، أحد قادة حزب البعث السوري، في استقبال الفريق علي عامر”.

تعرّف عليه فورًا وأبلغ المخابرات المصرية التي نقلت المعلومة إلى صلاح نصر مدير المخابرات العامة، ومنها إلى الرئيس جمال عبد الناصر،
الذي أمر بإرسال التحذير إلى القيادة السورية.
بعد أسابيع قليلة، سقط كوهين في قبضة الأمن السوري، لتُسجَّل تلك الواقعة ضمن أنجح عمليات التنسيق الاستخباراتي بين مصر وسوريا في الستينيات 🇸🇾🤝🇪🇬.


نهاية الجاسوس.. وبقاء اللغز 🕯️

منذ ذلك اليوم، لم تتوقف إسرائيل عن المطالبة باستعادة جثمان إيلي كوهين،
لكن سوريا رفضت جميع الطلبات، معتبرة أن جثمانه يرمز إلى نصر أمني لا يُقدّر بثمن.

أما في إسرائيل، فقد تحوّل إلى بطل قومي، وأُنتجت عنه كتب وأفلام ومسلسلات أبرزها مسلسل The Spy على نتفليكس.
أما في العالم العربي، فظلّ اسمه شاهدًا على صراع العقول في زمن الحرب الباردة، ودليلًا على أن ذكاء الجواسيس لا يغلب دائمًا وعي الشعوب.

ساحة المرجة في دمشق عام 1965 أثناء تنفيذ حكم الإعدام في إيلي كوهين


إعداد فريق موقع الشمس اليوم

إرسال تعليق

0 تعليقات

© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشمس اليوم