البنية الدرامية في كتابة السيناريو: من البداية إلى النهاية

السيناريو مش مجرد فكرة ولا خطة تنظيمية، لكنه النص الفني اللي بيُترجم فيما بعد لفيلم سينمائي. فهو حلقة الوصل بين "الفكرة" وبين "الفيلم على الشاشة"

ما هو السيناريو إذن؟

السيناريو هو قصة تُروى بالصور والأفعال والأصوات، مش بالكلام والوصف الأدبي فقط.
هو عبارة عن تتابع مشاهد مكتوبة بلغة بصرية (تصف المكان، الحركة، الحوار، الزمن).
يُشبه "خريطة طريق" للفيلم: يبدأ من المقدمة (الاستهلال) → يتطور في الوسط (المواجهة والصراع) → ينتهي بالحل.

عناصر السيناريو الأساسية:

الاستهلال (الفصل الأول – الصفحات 1-30 تقريبًا)
- تقديم الشخصيات، المكان، الزمن.
- زرع البذرة الأولى للصراع أو الحدث الأساسي.
المواجهة (الفصل الثاني – الصفحات 30-90 تقريبًا)
- تصاعد الأحداث وتفاقم الصراع.
- اختبار الشخصيات عبر مواقف معقدة.
الحل (الفصل الثالث – الصفحات 90-120 تقريبًا)
- الذروة (Climax).
- نهاية القصة وحل الصراع (سواء نهاية سعيدة أو مأساوية أو مفتوحة).

نقاط التحول (Plot Points):

وجهة الحبكة الأولى: غالبًا بين الصفحات 25–27 → تنقل القصة من المقدمة إلى المواجهة.
وجهة الحبكة الثانية: بين الصفحات 85–90 → تهيئ للأحداث الأخيرة والحل.

"مخطط يوضح البنية الدرامية للسيناريو: البداية – المواجهة – الحل"

إذن، السيناريو هو:

ليس مجرد أفكار متناثرة، لكنه سرد مُفصّل للأحداث في صورة مشاهد.
ليس مجرد رسم بياني أو خطة إنتاج، لكنه نص درامي قابل للتحول لفيلم حيّ.
ليس رواية أدبية، لأن لغته بصرية تعتمد على الصورة والصوت والحركة، مش على السرد الداخلي.

الأنموذج (Paradigm) في كتابة السيناريو

كافة السيناريوهات الكلاسيكية تشتمل على بناء خطي محدد، وهذا النمط يُعرف بـ الأنموذج (Paradigm).
الأنموذج هو بمثابة قالب عام له قواعد ثابتة، لكنه في نفس الوقت يمنح حرية كبيرة داخل هذا الإطار.

مثلًا:

أنموذج الطاولة: سطح علوي + أربع أرجل.
داخل هذا الإطار يمكن أن تكون الطاولة مربعة، مستديرة، مرتفعة، قصيرة… لكنها تظل "طاولة".
بنفس الشكل، أنموذج السيناريو له بناء محدد، لكن يمكن للكاتب أن يبدع داخله كما يشاء.

تقسيم السيناريو وفقًا للأنموذج

السيناريو عادةً ما يكون في حدود 120 صفحة ≈ ساعتين عرض.
القاعدة الذهبية: كل صفحة سيناريو مكتوبة تعادل دقيقة مشاهدة على الشاشة.

الفصل الأول – البداية (Setup)

الطول: حوالي 30 صفحة.
الهدف: تقديم القصة والشخصيات والمكان والزمان.
هنا يتعرف القارئ/المشاهد على البطل ومقدمات الصراع.
خلال أول 10 صفحات (≈10 دقائق) يقرر المشاهد – غالبًا بوعي أو دون وعي – هل الفيلم "أعجبه" أم لا.

مثال – فيلم Chinatown

الصفحة الأولى: نتعرف على البطل جيك غيتس (جاك نيكلسون)، محقق خاص متخصص في القضايا السرية.
الصفحة الخامسة: تظهر السيدة مولراي المزيفة (ديان لاد) لتستأجره بهدف كشف خيانة زوجها.
→ هذا هو الصراع الأساسي الذي يدفع الأحداث.

وجهة الحبكة الأولى (Plot Point I)

تقع عادةً بين الصفحات 25 – 27.
هي لحظة التحول الكبرى التي تنقل القصة من البداية إلى المواجهة.

في Chinatown

بعد نشر خبر في الصحف بأن السيد مولراي ضُبط في "عش الغرام"، تظهر السيدة مولراي الحقيقية (فاي دوناواي) مع محاميها وتهدد برفع دعوى.
هنا يتساءل البطل:
- من إذن استأجرني؟
- ولماذا تنتحل امرأة شخصية زوجة مولراي؟
هذا الحدث يقلب مسار القصة ويدفع البطل للبحث دفاعًا عن نفسه، فينطلق الفيلم نحو مرحلة جديدة.

بهذا الشكل، الفصل الأول لا يكتفي بمجرد تقديم الشخصيات، بل يزرع بذرة الأزمة، ثم ينتهي بـ انعطافة درامية قوية تقود الحكاية إلى مستوى أعمق.

الفصل الثاني – المواجهة (Confrontation)

المدى الزمني: الصفحات من 30 إلى 90 تقريبًا.
الوظيفة الدرامية: يمثل قلب القصة وأطول أجزائها، لأنه يحتوي على الصراع الرئيسي.

جوهر الفصل الثاني: الصراع (Conflict)

الدراما تقوم على الصراع.
بمجرد أن نحدد حاجة أو هدف الشخصية، يبدأ الكاتب في وضع العقبات والمعوقات التي تمنعها من تحقيق هذا الهدف.
هذه العقبات تولد التوتر، ومن ثم تتشكل الدراما.

مثال – Chinatown (الحي الصيني)

البطل جاك نيكلسون (جيك غيتس) يدخل في مواجهة مباشرة مع قوى غامضة تمنعه من كشف:
1. من وراء جريمة قتل مولراي؟
2. ومن المستفيد من فضيحة المياه؟
تتصاعد الأحداث عبر سلسلة من العقبات التي يتغلب عليها البطل خطوة بخطوة.
هذه المواجهات المستمرة هي التي تمنح القصة زخمها الدرامي.

وجهة الحبكة الثانية (Plot Point II)

تقع غالبًا بين الصفحات 85 – 90.
هي اللحظة التي تنقلنا من المواجهة إلى الحل، أي نقطة التحول الكبرى قبل الفصل الثالث.

في Chinatown

جاك نيكلسون يعثر على نظارات في البركة التي قُتل فيها مولراي.
يتيقن أنها تعود لمولراي (أو للقاتل).
هذه اللحظة تكشف له الحقيقة وتفتح الباب مباشرة إلى الحل.

الفصل الثالث – الحل (Resolution)

المدى الزمني: الصفحات من 90 إلى 120 تقريبًا.
الوظيفة الدرامية: إنهاء القصة وحسم مصير الشخصيات الرئيسية.

أسئلة الفصل الثالث:

كيف تنتهي القصة؟
ماذا يحدث للبطل؟
هل ينجح في تحقيق هدفه أم يفشل؟
هل ينجو أم يموت؟

أهمية الحل:

يجب أن تكون النهاية قوية وواضحة، بحيث يفهمها المشاهد بسهولة ويتأثر بها.
النهايات الغامضة جدًا لم تعد شائعة، لأن الجمهور يحتاج إلى نتيجة درامية تشبع توقعاته.

البناء الدرامي:

يُعرَّف على أنه ترتيب خطي لأحداث مترابطة تقود نحو حل درامي نهائي.
طريقة استخدامك لهذه البنية هي التي تحدد شكل فيلمك وأسلوبه الفني.

أمثلة:

Annie Hall (أني هول): رغم أنه يستخدم أسلوب الفلاش باك (الرجوع إلى الوراء)، إلا أنه يحافظ على بنية لها بداية ووسط ونهاية.
Citizen Kane (المواطن كين): كذلك يُروى عبر استرجاعات، لكنه يلتزم بالأنموذج الأساسي.
Hiroshima Mon Amour (هيروشيما حبيبتي) و Midnight (منتصف الليل): أمثلة أخرى تؤكد أن حتى الأفلام التجريبية تحتفظ بالهيكل العام: بداية – وسط – نهاية.

الفصل الأول	الفصل الثاني	الفصل الثالث
الاستهلال (Setup)	المواجهة (Confrontation)	الحل (Resolution)
تقديم القصة والشخصيات	الصراع والعقبات	النهاية وحسم المصير
الصفحات 1–30	الصفحات 30–90	الصفحات 90–120
وجهة الحبكة الأولى (25–27)	وجهة الحبكة الثانية (85–90)	—

بهذا الشكل، الأنموذج هو الخريطة الأساسية للسيناريو:

بداية (تقديم وبذرة الصراع).
وسط (المواجهة والصراع).
نهاية (الحل والذروة).

الأنموذج كأداة لفهم السيناريو

الأنموذج ليس مجرد قالب جامد، بل هو نمط – أو خطة – أو رؤية عامة توضح كيف يُبنى السيناريو المتقن.
إذا عرفت شكله الأساسي، يمكنك ببساطة أن "تُفرغ" قصتك داخله، مع الحفاظ على خصوصيتك وإبداعك.

لكن:

هل تتكيف كل السيناريوهات مع الأنموذج؟ نعم، غالبًا.
هل هذا يعني أنه القول الفصل؟ لا.
الأنموذج هو مجرد أداة، وسيلة للفهم والتحليل، وليست قاعدة مقدسة.

الجدل حول الأنموذج

بعض الكُتّاب قد يرفضون فكرة البداية والوسط والنهاية، معتبرين أن الفن كالحياة: لحظات فردية متفرقة بلا خطية واضحة.
لكن الحقيقة أن الحياة نفسها لها بداية ووسط ونهاية:

الولادة → الحياة → الموت.
كذلك الحضارات: نشوء → ازدهار → سقوط (مثل مصر القديمة، اليونان، وروما).
إذن، السيناريوهات أيضًا تعكس هذا المسار الطبيعي.

كيف تتأكد بنفسك؟

اذهب إلى السينما، شاهد أفلامًا متعددة، واسأل نفسك: هل تتوافق مع الأنموذج؟
اقرأ سيناريوهات منشورة ومتاحة في كتيبات أو على الإنترنت.
كل فيلم تشاهده وكل نص تقرأه هو أداة تعليمية توسع مداركك وتساعدك على فهم شكل وبنية السينما.

أمثلة لنصوص دراسية مهمة

طلاب معاهد السيناريو عادةً يدرسون نصوصًا كلاسيكية مثل:

Chinatown (الحي الصيني)
Rocky (روكي)
Three Days of the Condor (أيام الكوندور الثلاثة)
Annie Hall (آني هول)
Harold and Maude (هارولد ومود)

هذه النصوص تعد مصادر مثالية للتعلم، لأنها تقدم نماذج واضحة للبناء والصراع والحل.

✏️ خاتمة نصيحة لكتّاب السيناريو الجدد

استعمل الأنموذج كأداة، وليس قيدًا
لا تجبر نفسك أن تلتزم حرفيًا بالبداية – الوسط – النهاية، لكن خذ النموذج كهيكل مرجعي يساعدك على ترتيب أفكارك وتحريك القصة نحو هدف درامي واضح.
ابدأ بفكرة واضحة لقصتك وهدف شخصيتك
اعرف ما الذي يريده البطل وما هي العقبات التي ستواجهه. هذه الأسس هي ما سيُحرّك الأحداث بين الفصول الثلاثة.
رسم نقاط التحول مسبقًا (Plot Points I و II)
حدّد في مخططك متى ستقلب الأحداث الأولى (في نهاية الفصل الأول) ومتى ستقودك نحو الذروة (نهاية الفصل الثاني). هذا يرسم لك خريطة القصة كاملة.
اقرأ نصوصاً سينمائية وادرسها
قراءة السيناريوهات الحقيقية يُعلّمك كيف تُدبّج المشاهد، كيف تُركب الأحداث، كيف تُوزّع الحوار والعمل.
راقب أفلامًا مع وعي بنموذج الثلاثة فصول
عند مشاهدة فيلم، اسأل نفسك: متى تبدأ المواجهة؟ متى تنقل القصة إلى الحل؟ وهل النهاية تحقق هدفك الدرامي؟ هذا التمرين يفيد جدًا.
جرّب كتابة عدة مسودات وتعديل مستمر
لا تتوقع أن تكتب السيناريو النهائي من المرة الأولى. ابدأ بالمسودة الهيكلية (beat sheet أو Step Outline) ثم املأ التفاصيل، ثم عدّل مرات عدة.