حرر : ريماس عبدالفتاح
في هذا الحوار المهم والممتع، أقدّم ترجمة عربية لحوار أجرته الروائية التشيلية إيزابيل الليندي، المقيمة في الولايات المتحدة، والمنشور على موقعها الرسمي.
ويقدّم الحوار قراءة شاملة في تجربة الليندي الإبداعية، إذ يتناول مسيرتها الروائية، وعلاقتها باللغة والترجمة، إلى جانب رؤيتها للكتابة بوصفها فعلًا تخييليًا يسعى إلى تنظيم فوضى الحياة والكشف عن أجزاء من الحقيقة.🟠 س: أنتِ معروفة بكونكِ روائية، ولكن هل هناك أنواع أخرى من الكتابة حاولتِ استكشافها أيضًا؟
🔵 ج: كتبتُ المسرحيات في شبابي وأحببتها. كما حاولتُ كتابة قصص للأطفال عندما كان أطفالي صغارًا. كنت أحكي لهم قصصًا كل ليلة، وكان ذلك تدريبًا رائعًا حافظتُ عليه. في عام 2001 كتبتُ مدينة البهائم، وهي أول رواية لي للأطفال واليافعين. كما كتبتُ نصوصًا فكاهية لسنوات، وأعتقد أن هذا النوع هو الأصعب بين جميع أشكال الكتابة. لم أجرّب كتابة الشعر، ولا أعتقد أنني سأفعل ذلك.
🟠 س: هل تكتبين بالإسبانية؟
🔵 ج: لا أستطيع كتابة الروايات إلا باللغة الإسبانية، لأنها عملية عضوية جدًا بالنسبة لي، ولا يمكنني القيام بها إلا بلغتي الأم. ولحسن الحظ، لديّ مترجمون بارعون في مختلف أنحاء العالم.
🟠 س: هل تعملين بشكل وثيق مع مترجمتكِ؟ لاحظت أن مارغريت سايرس بيدن ترجمت معظم كتبكِ إلى الإنجليزية.
🔵 ج: مارغريت وأنا على اتصال دائم، وأعتقد أن هناك علاقة روحية تجمعنا. إنها تقوم بعمل رائع. أنا لا أقدر على تصحيح ما تترجمه، لكن في معظم اللغات الأخرى لا أعرف حتى من يترجم أعمالي، فالناشرون يتكفّلون بذلك. مارغريت تقاعدت في عام 2010، والمترجمة الحالية لأعمالي إلى الإنجليزية هي آن ماكلين.
🟠 س: هل يمكنكِ الحديث عن كيفية تشكّل الفكرة في كتابة الرواية: قول الحقيقة أو قول الأكاذيب من أجل الكشف عن حقيقة ما؟ وهل يمكن أن تتصادم هذه الأفكار أو تتكامل؟
🔵 ج: الفكرة الأولى في الرواية هي أن المؤلف يمنح نوعًا من النظام لفوضى الحياة، سواء عبر ترتيب زمني أو أي ترتيب آخر يختاره. ككاتب، أنت تختار جزءًا من الكل، وتقرّر أن بعض الأشياء مهمة بينما البقية ليست كذلك، وتكتب عنها من وجهة نظرك. الحياة ليست كذلك؛ فكل شيء يحدث في وقت واحد وبطريقة فوضوية، ولا أحد يتخذ قرارات، وأنت لست الزعيم، بل الحياة هي الزعيم.
عندما تقبل ككاتب أن السرد المتخيّل هو مجرد كذب، تصبح حرًا ويمكنك أن تفعل أي شيء. عندها تبدأ في المشي في دوائر؛ وكلما اتسعت الدائرة، اقتربت الحقيقة أكثر. ومع اتساع الأفق، وكلما مشيت أكثر وتباطأت عند التفاصيل، ازدادت فرصتك في العثور على أجزاء صغيرة من الحقيقة.
🟠 س: من أين تحصلين على إلهامكِ؟
🔵 ج: أنا مستمعة جيدة وصائدة ممتازة للحكايات. فلكل إنسان حكاية، وكل الحكايات تصبح ممتعة إذا رُويت بالنبرة الصحيحة. أقرأ الجرائد، وأحيانًا تكون الحكايات الصغيرة المدفونة في أعماق الصفحة قادرة على إلهام رواية كاملة.
🟠 س: كيف يعمل الإلهام؟
🔵 ج: أقضي عشر ساعات، وأحيانًا اثنتي عشرة ساعة يوميًا، وحدي في غرفتي المخصّصة للكتابة. لا أتحدث مع أحد، ولا أجيب على الهاتف. أنا مجرد وسيط أو أداة لشيء يحدث من خلالي؛ أصوات تتكلم عبري.
أنا أخلق عالمًا خياليًا، لكن هذا العالم لا يخصني. أنا لستُ الله، بل مجرد آلة موسيقية. وخلال هذا التمرين الطويل أتدرّب بصبر كبير على الكتابة، وأكتشف الكثير عن نفسي وعن الحياة. تعلمتُ ألّا أُدرك تمامًا ما أكتبه. إنها عملية غريبة؛ كأنني، عبر هذا المخيال السردي، أكتشف أشياء صغيرة وحقيقية عن نفسي، وعن الحياة، وعن الناس، وعن كيفية عمل العالم.
🟠 س: هل يمكنكِ التحدث عن شخصياتكِ الروائية؟
🔵 ج: عندما أعمل على تطوير شخصية ما، أبحث عادةً عن شخص يمكن أن يكون نموذجًا لها. فإذا كان هذا الشخص حاضرًا في ذهني، يصبح من السهل عليّ خلق شخصيات قابلة للتصديق. الناس معقّدون للغاية، ونادرًا ما يظهرون كل أوجه شخصياتهم، ولذلك يجب أن تكون الشخصيات الروائية كذلك أيضًا.
أسمح للشخصيات بأن تعيش حياتها الخاصة داخل الرواية. كثيرًا ما ينتابني شعور بأنني لا أتحكم بها. تسير أحداث الرواية في اتجاهات غير متوقعة، وتكون مهمتي هي كتابتها كما هي، لا إجبارها على أفكاري المسبقة.
🟠 س: هل تكتبين على الكمبيوتر؟
🔵 ج: أدوّن الملاحظات طوال الوقت. لديّ دفتر ملاحظات في حقيبتي، وعندما أرى أو أسمع شيئًا مثيرًا للاهتمام أكتب عنه فورًا. أقصّ قصاصات من الجرائد، وأدوّن ملاحظات حول الأخبار التي أسمعها في التلفزيون، وكذلك حول الحكايات التي يرويها لي الناس.
عندما أبدأ كتابة رواية، أستدعي كل هذه الملاحظات لأنها تلهمني. أكتب مباشرة على الحاسوب من دون تخطيط تفصيلي، وأتبع حدسي فقط. وعندما تكتمل الرواية على شاشة الكمبيوتر، أطبعها للمرة الأولى وأقرأها، وعندها فقط أعرف ما هي الرواية. أما المسودة الثانية فتنصبّ على اللغة، وردود الفعل، والنبرة، والإيقاع.
🟠 س: ما الذي يجعل نهاية السرد جيدة؟
🔵 ج: لا أعرف. في القصة القصيرة يختلف الأمر عن الرواية. القصة القصيرة تأتي مكتملة، ولها نهاية مناسبة واحدة فقط، وأنت تعرفها عندما تصل إليها؛ تشعر بها. وإذا لم تستطع العثور على تلك النهاية، فلا توجد قصة أصلًا، ولا جدوى من الاستمرار في العمل عليها.
القصة القصيرة بالنسبة لي تشبه السهم؛ يجب أن يكون لها اتجاه صحيح منذ البداية، وأن تعرف بدقة أين تصوّب. أما في الرواية فلا تعرف النهاية أبدًا. إنها عمل يومي وصبور، يشبه تطريز نسيج متعدد الألوان؛ تسير ببطء ولديك نمط مبدئي، ثم فجأة تنقلب الفكرة وتدرك أنها شيء آخر. إنها تجربة رائعة، لأن للرواية حياة خاصة بها.
في القصة القصيرة تكون لديك سيطرة كاملة، ومع ذلك هناك عدد قليل جدًا من القصص القصيرة الجيدة، مقابل عدد كبير من الروايات التي لا تُنسى. الأهم في القصة القصيرة ليس ما تحكيه فقط، بل كيف تحكيه؛ فالشكل بالغ الأهمية. في الرواية يمكن أن ترتكب أخطاء، ولن يلاحظها سوى قلة قليلة من الناس.
أنا لا أفضّل النهايات السعيدة، بل أحب النهايات المفتوحة، لأنني أثق في مخيلة القارئ.
🟠 س: من هم الكتّاب الذين أثّروا فيكِ أكثر؟
🔵 ج: أنتمي إلى الجيل الأول من الكتّاب الذين نشأوا على قراءة كتّاب آخرين من أمريكا اللاتينية. قبل جيلي لم تكن أعمال كتّاب أمريكا اللاتينية موزّعة توزيعًا جيدًا، حتى داخل القارة نفسها. في تشيلي، كان من الصعب جدًا العثور على كتب لكتّاب من أمريكا اللاتينية.
تأثّرت كثيرًا بكتّاب فترة الازدهار الأدبي مثل: غابرييل غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، خوليو كورتاثار، خورخي لويس بورخيس، أوكتافيو باز، خوان رولفو، وجورج أمادو، وغيرهم.
كما تأثّرت بعدد كبير من الروائيين الروس: دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، نابوكوف، غوغول، وبولغاكوف. أما في فترة مراهقتي، فقد كان للكتّاب الإنجليز تأثير كبير عليّ، مثل: السير والتر سكوت، جين أوستن، الأخوات برونتي، تشارلز ديكنز، برنارد شو، أوسكار وايلد، جيمس جويس، دي. إتش. لورانس، وفيرجينيا وولف.
كنت أحب أدب الألغاز، وقرأت جميع أعمال أجاثا كريستي وكونان دويل، إضافة إلى عدد من المؤلفين الأمريكيين الذين كانوا مشهورين جدًا باللغة الإسبانية، مثل مارك توين، جاك لندن، إف. سكوت فيتزجيرالد، وغيرهم كثيرون.
ولا أنسى الأثر العميق الذي تركته رواية أن تقتل طائرًا بريئًا لهاربر لي، إذ أعود لقراءتها مرة كل عشر سنوات تقريبًا. من خلال هذه الكتب اكتسبت فهمًا جيدًا للحبكة وقوة بناء الشخصيات.
اكتشفت الخيال والإثارة الجنسية في ألف ليلة وليلة، التي قرأتها في لبنان عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري. في ذلك الزمان والمكان، لم تكن للفتيات حياة اجتماعية خارج المدرسة والبيت؛ لم نكن نذهب حتى إلى السينما. كانت القراءة هي وسيلتنا الوحيدة للهروب من حياة أسرية خانقة.
كان لزوج أمي أربعة مجلدات جلدية غامضة محفوظة في خزانة ملابسه المغلقة، وهي كتب “محظورة” لم يكن من المفترض أن أراها لأنها كانت تُعدّ مثيرة جنسيًا. وجدت طريقة لنسخ المفتاح والدخول إلى الخزانة عندما لم يكن موجودًا. كنت أستخدم مصباحًا يدويًا، ولم أكن أعرف الصفحات المعنية، فكنت أقرأ بسرعة بحثًا عن الأجزاء “القذرة”. كانت هرموناتي في حالة هيجان، وخيالي انطلق بجنون بعد قراءة تلك القصص الرائعة. وعندما يصفني النقاد بأنني “شهرزاد أمريكا اللاتينية”، أشعر بإطراء بالغ.
الكاتبات النسويات الأمريكيات والأوروبيات اللواتي قرأت لهن في العشرينيات من عمري منحْنني لغة واضحة للتعبير عن الغضب الذي شعرت به تجاه النظام الأبوي الذي نعيش فيه جميعًا. بدأت العمل في مجلة Paula النسوية التشيلية، وكانت مجلة نسوية حقيقية شحذت أفكاري وقلمي لمواجهة المؤسسة الذكورية. وكانت تلك من أفضل فترات حياتي.
أحببت السينما كثيرًا، وأحيانًا تبقى صورة، أو مشهد، أو شخصية معي لسنوات، ثم تعود لتلهمني أثناء الكتابة. على سبيل المثال: السحر في فيلم فاني وألكسندر، أو فكرة القصة داخل القصة في فيلم شكسبير عاشقًا.
🟠 س: ماذا يحدث عندما تبدئين كتابة رواية؟
🔵 ج: عندما أبدأ، أكون في حالة من النسيان الكامل. لا أملك أي فكرة عن اتجاه الحكاية، أو ما الذي سيحدث، أو حتى لماذا أكتبها. كل ما أعرفه – بطريقة لا أستطيع تفسيرها في ذلك الوقت – هو أنني متصلة بالحكاية. اخترت هذه القصة لأنها كانت مهمة بالنسبة لي في الماضي، أو لأنها ستكون كذلك في المستقبل.
🟠 س: هل تقومين بالكثير من التحرير؟
🔵 ج: نعم، فيما يخص اللغة وردود الأفعال، لكن ليس على مستوى الحبكة. القصة والشخصيات لها حياتها الخاصة، ولا أستطيع السيطرة عليها. قد أرغب في أن تكون الشخصيات سعيدة، وأن تتزوج، وأن تنجب الكثير من الأطفال، وأن تعيش في سعادة دائمة، لكن هذا لا يحدث أبدًا. وكما قلت سابقًا، النهايات السعيدة لا تناسبني.
🟠 س: هل يمكنكِ الحديث عن البعد العلاجي للكتابة، وتحديدًا عن كتابة رواية باولا؟ أعتقد أن كتابتها كانت مؤلمة وصعبة في آن واحد.
🔵 ج: عندما كنت أكتب باولا، كانت مساعدتي تدخل المكتب وتجدني أبكي. كانت تحتضنني وتقول: “ليس عليكِ أن تكتبي هذا.” وكنت أتمنى أن أقول لها إنني أبكي لأنني أتعافى، وأن الكتابة هي طريقتي في الحداد.
هذه الرواية كُتبت بالدموع، لكنها كانت دموع الشفاء. وبعد أن انتهيت من كتابتها، شعرت أن ابنتي أصبحت حيّة في قلبي، وأن ذاكرتها محفوظة. طالما أنها مكتوبة، فإنها لن تُنسى. أنا لا أحتفظ بالتفاصيل أو الأسماء أو الأماكن في ذاكرتي، ولهذا السبب، عندما كتبت عن باولا وحياتنا معًا، كنت أكتب يوميًا رسالة إلى أمي. هذه الأحداث لن تُنسى لأنها توثيق لحياة طفل.
🟠 س: عندما قرأت باولا، أدهشني مدى كشفها للذات. نادرًا ما يتحدث الناس عن هذا النوع من الألم. كانت تجربتك مع المرض والموت والمأساة هدية لكثير من الناس.
🔵 ج: أشعر بارتباط عميق بالقرّاء الذين كتبوا لي. الألم تجربة إنسانية مشتركة؛ كلنا نختبر الألم والخسارة والموت بالطريقة نفسها. وصلتني رسائل من أطباء قالوا إنهم لن يستطيعوا النظر إلى مرضاهم بالطريقة نفسها بعد قراءة الرواية، ومن شباب تعاطفوا مع باولا وفكّروا لأول مرة في فكرة الموت.
كما وصلتني رسائل كثيرة من فتيات شابات لم يعشن خسارة حقيقية بعد، لكنهن يشعرن بعدم الانتماء أو الدعم داخل مجتمعاتهن، ويعانين وحدة شديدة. كنّ يرغبن في علاقة مع رجل تشبه العلاقة التي جمعت باولا بزوجها.
وتلقّيت أيضًا رسائل من أمهات فقدن أطفالهن ويعتقدن أنهن سيمتن حزنًا. لكن الإنسان لا يموت. فقدان الابن هو أقدم حزن عرفته المرأة؛ فمنذ آلاف السنين تفقد الأمهات أبناءهن، ولا تتوقع سوى قلة محظوظة أن يعيش جميع أبنائها.
🟠 س: العديد من النقّاد يعتبرون باولا كتابكِ الأعظم. هل تقولين إن الكتابة عن باولا أثّرت فيكِ أكثر من كل رواياتكِ الأخرى؟
🔵 ج: نعم. يمكن اعتبار ما سبقها بمثابة بروفة. عندما انتهيت من كتابة باولا واجهت صعوبة كبيرة في العودة إلى الكتابة. تساءلت: ما الذي يمكنني أن أكتبه ويكون مهمًا بالنسبة لي بعد ذلك؟ ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات من التوقّف والجمود، تمكّنت من الكتابة مرة أخرى.
🟠 س: هل تعتقدين أن الكاتب هو من يختار ما يكتبه، أم أن الكتابة هي التي تختاره؟
🔵 ج: أعتقد أن القصص هي التي تختارني.
🟠 س: إذن أنتِ حكواتية أولًا، وكاتبة ثانيًا؟
🔵 ج: نعم. السرد هو الجزء الممتع، رغم أن الكتابة قد تكون عملًا شاقًا للغاية.
🟠 س: هل ساعدتكِ خلفيتكِ كصحفية؟
🔵 ج: أنا أعمل مع المشاعر، واللغة هي الأداة. الحكاية تدور دائمًا حول مشاعر عميقة جدًا، وهي ما يهمّني حقًا. عندما أكتب، أحاول استخدام اللغة بكفاءة، كما يفعل الصحفي؛ فليس لديك مساحة أو وقت كبيران، وعليك أن تمسك القارئ من رقبته ولا تدعه يهرب. هذا ما أحاول فعله باللغة: خلق الإثارة.
كما تعلمت من الصحافة أشياء عملية أخرى، مثل كيفية البحث في موضوع ما، وإجراء المقابلات، ومراقبة الناس في الشارع، والتحدث إليهم.
🟠 س: عندما تتحدثين عن انفتاحكِ على التجربة، هل تنفتحين على عالم سحري؟ هل تدخل الأرواح فعلًا وتقترح عليكِ كلمات وصورًا ومشاهد؟
🔵 ج: نعم، بطريقة ما. هناك بالطبع عملية فكرية، لكن ثمة شيئًا سحريًا في سرد القصص. يمكنك الاستفادة من عالم آخر. تصبح القصة مكتملة عندما تضع إصبعك على القصة الجماعية، أي عندما تصبح قصص الآخرين جزءًا من كتابتك، وتدرك أنها ليست قصتك وحدك.
لديّ شعور بأنني لا أخترع شيئًا، بل أكتشف أشياء من بُعد آخر، وأنها موجودة بالفعل، ومهمتي هي العثور عليها وإحضارها إلى الورق. أنا لا أختلقها. على مرّ السنين، حدثت أشياء في حياتي وفي كتابتي أقنعتني بأن كل شيء ممكن. أنا منفتحة على كل الألغاز.
عندما يقضي المرء ساعات طويلة من اليوم، كما أفعل أنا، وحيدًا وفي صمت، يصبح قادرًا على رؤية هذا العالم. وأتصوّر أن الأشخاص الذين يصلّون أو يتأملون لساعات طويلة، أو الذين يقضون وقتًا في دير أو مكان هادئ، ينتهي بهم الأمر إلى سماع الأصوات ورؤية الرؤى؛ لأن العزلة والصمت هما الأساس لهذا النوع من الوعي.
أحيانًا أكتب شيئًا وأنا مقتنعة تمامًا بأنه من خيالي، ثم بعد شهور أو سنوات أكتشف أنه كان حقيقيًا. أشعر بالخوف حين يحدث ذلك، وأفكّر: ما هذا؟ ماذا لو كانت الأشياء تحدث لأنني كتبتها؟ يجب أن أكون حذرة جدًا في كلماتي.
لكن أمي تقول لي: “لا، لم يحدث ذلك لأنكِ كتبته. أنتِ لا تملكين هذه القوة، فلا تكوني متغطرسة. ما يحدث هو أنكِ قادرة على رؤية هذه الأشياء، بينما الآخرون لا يستطيعون، لأنهم مشغولون بضوضاء العالم.” كانت جدّتي مستبصرة، وعلى الرغم من أنها لم تكتب، فإنها كانت تستشعر الأشياء وتلتقط تلك المشاعر والأحداث الغامضة. أعتقد أن المسألة تتعلّق بامتلاك وعي أعلى.
🟠 س: وصفكِ زوج والدتكِ بأنكِ مهووسة بالكذب.
🔵 ج: نعم، هو يقول عني إنني كاذبة. عندما كتبت باولا، كانت تلك المرة الأولى التي أكتب فيها مذكّرات. من المتوقّع في المذكرات أن يقول الإنسان الحقيقة. اعترضت أمي وزوجها على كل صفحة تقريبًا، لأن العالم الذي عشته في طفولتي يختلف تمامًا عن نظرتهما للحياة. أنا أرى الضوء الساطع، والعواطف، وشبكة خفية تربط بين الأشياء بطريقة ما. إنه شكل آخر من أشكال الحقيقة.
🟠 س: جويس كارول أوتس تتحدّث عن “ذكرى مضيئة”، كأنها تأتي فجأة وتضيء مكانًا معيّنًا. أفكّر في اختلاف طرق تذكّر أحداث الطفولة. على سبيل المثال، لديكِ ذكرى مخيفة عن تعليقكِ رأسًا على عقب في أداة غريبة يُفترض أنها تساعد على النمو، بينما يتذكّر زوج أمكِ الأمر كأداة آمنة تمامًا. ربما تتذكّرين ما شعرتِ به فقط؛ فحتى لو كانت الأداة آمنة، فقد شعرتِ وكأنكِ مشدودة من رقبتكِ.
🔵 ج: بالضبط. هذا حاضر بكثرة في كتاباتي. قد أتذكّر قصة كاملة، لكنني لا أستطيع تذكّر المكان أو التاريخ أو الأشخاص أو الأسماء. ما يبقى في ذاكرتي دائمًا هو الشعور اللافت في تلك القصة.
🟠 س: بينما سيتذكّر بعض الناس التاريخ أو حتى ما كانوا يرتدونه.
🔵 ج: أو قد يتذكّرون الحقائق فقط. ربما أنا أتذكّر ما تخيّلته حول الحدث؛ روايتي الخاصة للحقيقة.
🟠 س: لكن في النهاية، كما في روايتكِ إيفا لونا، تقولين شيئًا ثم تستدركين…
🔵 ج: «ربما لم يحدث ذلك بهذه الطريقة». لديّ هذا الشعور دائمًا: ربما لم يحدث الأمر بهذه الطريقة. لديّ خمسون رواية مختلفة عن كيفية لقائي بزوجي ويلي، وهو يقول إنّها كلها حقيقية.
🟠 س: في رواياتكِ السابقة التي تتناول الفوضى السياسية في أمريكا اللاتينية، تبدو الحكومة غير جديرة بالثقة ومنفصلة عن الشعب..هناك تصور كافكوي يقول إنك لن تفهم الحكومة مهما فعلت، وإن العالم يتحوّل ولا يمكن الاعتماد عليه. هل ترين أن عالم الأرواح أكثر قابلية للاعتماد؟ هل تكون “الخطة اللانهائية” منطقية هناك بينما لا تبدو كذلك في العالم الحقيقي؟
🔵 ج: هذا سؤال صعب. العالم الروحي ليس مكانًا للخير أو الشر؛ إنه ليس عالمًا أبيض وأسود كما يبدو العالم الحقيقي. لا توجد فيه قواعد صارمة من أي نوع. وبهذا المعنى، فهو مختلف تمامًا عن “الخطة اللانهائية”، التي كانت مزحة اقترحها الواعظ في روايتي الخطة اللانهائية.
في العالم الروحي توجد النية فقط، والوجود فقط، ولا يوجد إحساس بالصواب أو الخطأ. كل شيء مقبول. وبما أن الأمور هناك غامضة جدًا، وحساسة، وغير محددة، فهو مكان آمن. لا يتعيّن عليك أن تقرّر شيئًا؛ الأشياء تكون فقط، وأنت تطفو بطريقة ما… أو لا أعرف كيف أعبّر عن ذلك بدقة… أنت هناك، حضورًا خالصًا.
بالنسبة لي، هذا مكان آمن للغاية. منه تأتي الحكايات، ومنه يأتي الحب.
قد يبدو هذا ساذجًا، لكن حياتي تشكّلت من أمرين بالغَي الأهمية: الحب والعنف. نعم، هناك حزن وألم وموت، لكن هناك بعدًا موازيًا آخر، هو الحب.
الحب له أشكال كثيرة، لكن النوع الذي أتحدث عنه غير مشروط. مثل الطريقة التي نحب بها الشجرة؛ لا نطلب منها أن تتحرك أو أن تكون جميلة، الشجرة هي شجرة، ونحن نحبها لأنها كذلك. نحب الحيوان بهذه الطريقة، ونحب الأطفال بهذه الطريقة.
عندما تصبح العلاقات أكثر تعقيدًا، تبدأ المطالب: تريد شيئًا مقابل حبك، وتظهر التوقعات والرغبات، وتريد أن تُحَب بقدر ما تحب.
في هذا العالم الروحي، عالم المحبة، لا توجد شروط. مثل الطريقة التي أحب بها أحفادي. أراها حبًا مثاليًا؛ لا يهم إن كبروا أو بقوا كما هم، فأنا أراهم في كل أعمارهم في الوقت نفسه. الروح بلا عمر. ربما هذا ما أحاول قوله: عندما نحب بعمق وكمال، فإننا نحب الجوهر.
🟠 س: أعتقد أنكِ تتحدثين عن التسامي؛ القدرة على تجاوز هذا العالم الواقعي إلى فهم متسامٍ للمشاعر والعواطف. هل تقولين إن رواياتكِ تتميّز بهذه الخاصية أكثر من غيرها؟
🔵 ج: من الخطأ تصنيف رواياتي على أنها واقعية سحرية. أنا أراها أدبًا واقعيًا فحسب. يقال إنه لو وُلد كافكا في المكسيك لاعتُبر كاتبًا واقعيًا. كثير من الأشياء تعتمد على المكان الذي وُلدت فيه.
🟠 س: إيرين وفرانسيسكو في روايتكِ الحب والظلال يمران بتحوّل كامل في النهاية. يركبان السيارة وينظران إلى بعضهما ويتساءلان من يكون الآخر. لا يتعرّفان جسديًا، لكنهما ما زالا يتعرّفان روحيًا. هذا بيان مهم تقدّمه الرواية بواقعية شديدة.
🔵 ج: في الحب والظلال اتُّهمت بأنني عاطفية وسياسية أكثر من اللازم، لكنني متعاطفة جدًا مع هذه الرواية. أولًا لأن القصة حقيقية؛ فهي تتناول جريمة سياسية وقعت في تشيلي، وقد أجريت بحثًا عنها، والشخصيات حقيقية.
وثانيًا لأنها جلبت ويلي إلى حياتي. قرأ الرواية وأحبها، وفي النهاية وقع في حبي.
وثالثًا لأنها منحتني وعيًا بقوة الكلمة المكتوبة: كيف يمكنك النفاذ إلى ذلك العالم الذي تحدثنا عنه، واكتشاف أشياء كان من المستحيل معرفتها لولا هذا الاتصال بمعرفة جماعية تمرّ عبر الكتابة.
🟠 س: قلتِ ذات مرة إنكِ أتيتِ من خلفية مكبوتة، وإنكِ تجدين صعوبة في كتابة مشاهد حسية. عند مقارنة مشهد الحب بين فرانسيسكو وإيرين – وهو مجازي وجميل وعائم – بمشاهد في أعمالكِ اللاحقة، يبدو أنكِ تجاوزتِ هذا القمع وطوّرتِ قدرتكِ على الكتابة الحسية. هل كان ذلك وعيًا منكِ؟
🔵 ج: لا، أعتقد أن الأمر يتعلّق بالرواية نفسها. كل رواية لها طريقتها الخاصة في الكتابة، وكل حكاية لها أسلوبها الذي تُروى به. الحكاية هي التي تحدد النبرة.
فرانسيسكو وإيرين شابان صغيران، يتلهفان لبعضهما في البداية ثم يقعان في الحب. وعندما يمارسان الحب، يكونان قد وقعا فيه بالفعل. كما أنهما تأثّرا منذ بدايات حياتهما بوحشية الموت والتعذيب والقمع والعنف. ممارسة الحب تعيدهما من الجحيم إلى الحياة، إلى فردوس الحب. لاحقًا ستدمّرهما الأحداث.
سُرد المشهد بهذه الطريقة لأنه، من دون وعي كامل مني، يشبه أسطورة أورفيوس ويوريديس، حيث ينزل أورفيوس إلى الجحيم ليعيد حبيبته إلى الحياة.
🟠 س: ذكرتِ في إحدى محاضراتكِ أنكِ لن تكتبي المزيد من القصص القصيرة. هل أنتِ مصمّمة على عدم العودة إلى هذا النوع؟
🔵 ج: لا أعرف. لا ينبغي أن أقول أبدًا إنني لن أفعل شيئًا. القصة القصيرة تأتيك كاملة. أمّا الرواية فهي عمل متواصل: عمل، عمل، عمل… ثم في يوم ما تنتهي.
القصة القصيرة شيء يحدث لك، مثل الإصابة بالإنفلونزا. إنها تتطلّب إلهامًا مفاجئًا، وومضة من الوضوح تجعلك ترى حدثًا من زاوية غير متوقعة تمامًا. لا يمكنك افتعال ذلك؛ هو يحدث لك.
قد تذهب إلى مكان ما، وترى أشخاصًا يرقصون، وفجأة تفهم العلاقات بينهم، أو تدرك شيئًا لا يراه أحد غيرك في الغرفة. عندها تولد القصة القصيرة.
🟠 س: تحدثي عن مجموعتكِ القصصية حكايات إيفا لونا.
🔵 ج: لقد كتبت بصوت إيفا لونا، بطلة روايتي السابقة. كل القصص في هذه المجموعة ما عدا القصة الأخيرة، وهي قصة كيف وجد رولف كارل فتاة صغيرة في الوحل ويساعدها على الموت. لقد كتبتها من وجهة نظره. هذه القصة وقعت بالفعل في عام 1985 في كولومبيا. كان هناك ثوران بركان يسمى نيفادو رويز، وغطى انزلاق طيني قرية بكاملها ومات الآلاف من الناس. لم يستردوا معظم الجثث، وأخيرًا أعلنوا أن المكان بأكمله مقبرة، أرض مقدسة. وكان من بين الضحايا العديد فتاة صغيرة عمرها تسع سنوات تُدعى أوميرا سانشيز. هذه الفتاة، ذات الشعر القصير المجعد الداكن والعينين السوداوين الكبيرتين، كانت تتألم لمدة أربعة أيام، محاصرة في الوحل. لم تستطع السلطات إدخال مضخة لضخ المياه وإنقاذ حياتها. ومع ذلك، كان بإمكان وسائل الإعلام نقل كاميرات تلفزيونية في طائرات الهليكوبتر والطائرات والحافلات حيث كان بمقدور الناس في جميع أنحاء العالم ولمدة أربعة أيام أن يروا معاناة هذه الطفلة.
🟠 س: أنتِ تكتبين باللغة الإسبانية ولكنكِ تعيشين بالإنجليزية في الولايات المتحدة، فأنا مندهش من قدرتكِ على أخذ شيء يراه غالبية الناس على أنه عيب وجعله ميزة. يرى الكثيرون أن العيش بلغة ثانية هو أمر مهمش.
🔵 ج: لكن هذا رائع! من يريد أن يكون في الواجهة الرئيسية؟ قبل أيام سمعت شيئًا رائعًا على شاشة التلفزيون عن المشاكل التي ستواجهها هذه الدولة في السنوات العشر القادمة – الجريمة والعنف وانعدام القيم وتدمير العائلة وحمل المراهقات والمخدرات والإيدز. ثم قال أحدهم شيئًا استثنائياً: “هل لاحظتم أن المهاجرين الجدد لا يعانون من هذه المشاكل؟ لأنهم يأتون إلى هذا البلد بنفس الأفكار والقوة التي جاء بها أجدادنا.” أن تكون هامشيًا، مثل كونك مهاجرًا جديدًا، فإذا كان بإمكانك تحويل تلك الهامشية إلى شيء إيجابي بدلاً من التركيز عليها كشيء سلبي، فهي مصدر رائع للقوة.
🟠 س: غالبًا ما نتحدث عن صوت المرأة في الأدب، وأنتِ كتبتي من هذا المنظور ونجحتي. هل كان من الصعب في الخطة اللانهائية الكتابة بصوت الرجل؟
🔵 ج: لا، أنا لا أجد هذا صعباً على الإطلاق. كتبت أيضًا من منظور رجل وبصوت رجل في بيت الأرواح، حيث يروي استيبان تروبا أجزاءً من الرواية. ومع رواية الخطة اللانهائية، كان الأمر سهلاً لأن زوجي كان يرشدني. ثم أدركت أن هناك أوجه تشابه أكثر من الاختلافات عندما يتعلق الأمر بالجنس. البشر في الأساس متشابهون جدًا، لكننا عالقون في الاختلافات بدلاً من تسليط الضوء على أوجه التشابه. حينما دخلت في جلد البطل الذكر اعتمدت على زوجي ويلي جوردون، تعرفت عليه بشكل أفضل مما لو كنت قد عشت معه لمدة ثلاثين عامًا.
🟠 س: يبدو أنها نقطة جيدة لنا للعودة إلى عالم الأرواح، إلى المكان الذي بدأنا فيه. هل تضيفي إلى خصائص العالم الروحي أنه بلا جنس؟
🔵 ج: ربما في عالم الروحانيات، لا يكون للجنس أي اعتبار، تمامًا كما أن العرق أو العمر لا يمثلان مشكلة. لقد كنت مناصرة للنسوية طوال حياتي، أكافح من أجل القضايا النسوية. عندما كنت شابة صغيرة، قاتلت بضراوة. كنت أحارب حينها. الآن أصبحت أكثر إدراكًا للأشياء الرئيسية التي علينا نحن الرجال والنساء استكشافها والتي يمكن أن تجمعنا معًا. لكن لا تفهموني بشكل خاطئ: أنا نسوية وفخور جدًا!
🟠 س: يعرف النقاد أسلوب كتابتك بأنه “الواقعية السحرية”. هل كل رواياتكِ مكتوبة بهذا النوع؟
🔵 ج: أعتقد أن لكل حكاية طريقة تُروى بها وأن لكل شخصية صوت. ولا يمكن للكاتب أن يكرر دائمًا صيغة الكتابة. الواقعية السحرية، التي كانت حاضرة بأغلبية ساحقة في روايتي بيت الأرواح، غير موجودة في روايتي الثانية الحب والظلال، وذلك لأن روايتي الثانية كانت مبنية على جريمة سياسية حدثت في تشيلي بعد اغتيال سلفادور أليندي، لذا فهو أكثر من تأريخ صحفي. لا توجد واقعية سحرية في رواية الخطة اللانهائية أو إفروديت أو ابنة الحظ، ومع ذلك هناك الكثير منها في مدينة الوحوش، أول رواية لي للأطفال.
الواقعية السحرية أحيانًا تنجح وأحيانًا لا تنجح، على أية حال ستجد في الأدب من كل أنحاء العالم عناصر للواقعية السحرية، وليس في أمريكا اللاتينية فقط. ستجده في الملحمات الإسكندنافية، في الشعر الأفريقي، في الأدب الهندي المكتوب باللغة الإنجليزية، في الأدب الأمريكي الذي كتبته الأقليات العرقية. يستخدم كل من الكتاب مثل سلمان رشدي وتوني موريسون وباربرا كينجسولفر وأليس هوفمان هذا الأسلوب.
ولفترة من الوقت، ساد في الولايات المتحدة وأوروبا منهج منطقي وعملي في الأدب، لكنه لم يدم طويلاً. هذا لأن الحياة مليئة بالغموض، والهدف من الأدب هو استكشاف تلك الألغاز. إنه يوسع آفاقك. عندما تسمح للأحلام والرؤى والهواجس بأن تدخل في حياتك اليومية وعملك ككاتب، يبدو أن الواقع يتوسع.
🟠 س: أنتِ تنحدرين من عائلة غير عادية. هل تتحدثين عن عمكِ، سلفادور الليندي، وكيف أثر في حياتكِ؟
🔵 ج: لا أعتقد أنه أثر في حياتي كثيرًا حتى وفاته، رغم أنني كنت دائمًا معجبة به كثيرًا. عندما حدث الانقلاب العسكري في تشيلي عام 1973، لم يكن هو، بل الانقلاب العسكري، هو الذي غير حياة الكثير من التشيليين. هذا الانقلاب أثر على نصف السكان بشكل دراماتيكي.
كان سلفادور أليندي ابن عم أبي. رأيته في عطلات نهاية الأسبوع، وأحيانًا في الإجازات، لكنني لم أعيش معه.
🟠 س: هل يمكنكِ التحدث عن أي طقوس تقومين بها عند البدء في كتابة كتاب جديد؟
🔵 ج: الثامن من يناير هو يوم مقدس بالنسبة لي. آتي وحدي إلى مكتبي في وقت مبكر جدًا من الصباح، أشعل بعض الشموع للأرواح وللبعض التفكير. أتأمل لبعض الوقت. لدي دائمًا الزهور الطبيعية والبخور. ونفسي منفتحة تمامًا للتجربة التي تبدأ في تلك اللحظة. لا أعرف أبدًا ما سأكتبه بالضبط. ربما أنهيت كتابًا قبل أشهر وربما كنت أخطط لشيء ما، لكن حدث ذلك مرتين بالفعل عندما أجلس أمام الكمبيوتر وأقوم بتشغيله فخرج شيء آخر. يبدو الأمر كما لو كنت حاملًا بشيء ما، حمل فيل، شيء موجود هناك لفترة طويلة جدًا، ينمو، وبعد ذلك عندما أكون قادرة على الاسترخاء التام وتنفتح نفسي للكتابة، فالكتاب الحقيقي يخرج للنور.
أحاول أن أكتب الجملة الأولى في حالة نشوة، كما لو أن شخصًا آخر كان يكتبها من خلالي. عادة ما تحدد الجملة الأولى الكتاب بأكمله. إنه باب يفتح على منطقة غير معروفة يجب أن أستكشفها مع شخصياتي. وببطء، بينما أكتب، تبدو القصة وكأنها تنكشف على الرغم مني.
أنا لست من النوع الذي يبحث عن مخطط تفصيلي، أو التحدث عن الكتابة إلى أي شخص، أو قراءة أجزاء من كتابتي حينما تكون قيد المعالجة. حتى تجهز المسودة الأولى – ويمكن أن تستغرق المسودة الأولى شهورًا، وعادة ما تكون طويلة جدًا – لا أعرف ما هو الكتاب. أجلس كل يوم وأكتب الرواية. عندما أعتقد أنها انتهت، أطبعها وأقرأها للمرة الأولى. في تلك المرحلة، أعرف ما هي الحكاية، وأبدأ بإزالة كل شيء ليس له علاقة بالأمر.
🟠 س: ما هي النصيحة التي يمكنكِ تقديمها للكتاب المبتدئين؟
🔵 ج: الكتابة هي مثل التدريب، فلكي تكون رياضيًا عليك القيام بالكثير من التدريب والعمل الذي لا يراه أحد من أجل المنافسة. يحتاج الكاتب إلى الكتابة كل يوم، تمامًا كما يحتاج الرياضي إلى التدريب. لن يتم استخدام هذا الكم الكثير من الكتابة أبدًا، لكن من الضروري القيام بذلك.
أقول دائمًا لطلابي الشباب أن يكتبوا صفحة جيدة واحدة على الأقل يوميًا. في نهاية العام سيكون لديهم 360 صفحة جيدة على الأقل، هذا كتاب.
أنا لا أشارك الكتابة مع أي شخص، وعندما تنتهي المسودة، أعرضها على عدد قليل جدًا من الأشخاص، لأنني أثق بغريزتي ولا أريد الكثير من الأيدي في كتاباتي.
🟠 س: لدي مخطوطة وأتساءل عما إذا كان بإمكانكِ قراءتها ومساعدتي في نشرها.
🔵 ج: أنا آسفة جدًا، لا يمكنني قراءة المخطوطات. ببساطة ليس لدي وقت، حتى لو فعلت ذلك، ربما أتعرض للمسائلة القانونية. على أي حال، لا يمكنني نشر المخطوطات. أتمنى لو كان لدي هذا النوع من القوة!
أصبحت صناعة النشر – وخاصة في الولايات المتحدة – معقدة للغاية. من واقع خبرتي، من المستحيل عمليًا أن تنشر بدون وكيل إذا لم تكن كاتبًا معروفًا. قد ترغب في الرجوع إلى بيانات يتم تحديثها سنويًا والتي تتضمن قائمة بجميع الوكلاء الأدبيين المتاحين. هناك كتابان مفيدان هما: ”كيفية الحصول على وكيل أدبي” بقلم مايكل لارسن، و”دليل الوكلاء الأدبيين” بقلم دون بروز. يمكنك العثور عليها في المكتبة أو في متجر الكتب المفضل لديك.

0 تعليقات
أترك تعليقاً ملائماً