ليس كل ما يعرّي الحقيقة شجاعًا، وليس كل ما يصدم يُعدّ فنًا.
بقلم : فرحات جنيدي
حمّام الملاطيلي لم يهزّ المجتمع كما يُروَّج له، بل دغدغ غرائزه.
لم يفضح القاع بقدر ما فتح نافذة للتلصص عليه.
إنه واحد من تلك الأفلام التي احتمت بكلمة «الجرأة» لتبرير كسلها، وبـ«الواقعية» لتسويق ابتذالها، فخرجت بعمل لا يملك رؤية، لكنه يعرف جيدًا كيف يجذب الانتباه… من أسفل.
هذا ليس فيلمًا عن المهمشين،
بل فيلم عن كيفية استغلالهم بصريًا،
وتحويل بؤسهم إلى مشاهد قابلة للبيع،
وأجسادهم إلى أدوات إثارة تُعرض باسم التقدم وكسر التابوهات.
المكان: حمّام بلا دلالة
الحمّام الشعبي هنا ليس رمزًا اجتماعيًا، ولا مساحة لتفكيك القهر الطبقي،
بل ديكور مريح للكاميرا الشبقية.
كل شيء في المكان مُسخَّر لخدمة الجسد لا المعنى.
النظرة ليست نظرة فنان يراقب المجتمع،
بل عين تاجر يعرف جيدًا أين يقف ليضمن اللقطة الأكثر إثارة.
الحمّام لا يطهّر أحدًا، لا دراميًا ولا أخلاقيًا،
بل يتحول إلى سوق مفتوح،
يُعرض فيه الفقر عاريًا،
ويُختزل الإنسان في ما يمكن أن يقدّمه جسديًا.
واقعية على المقاس: حين تصبح المعاناة مادة استهلاك
الفيلم يدّعي كشف المستور،
لكنه في الحقيقة يعيد إنتاج أبسط الصور النمطية وأكثرها كسلًا:
-الفقير = شهواني
-المهمش = جسد بلا عقل
-المدينة = مستنقع غرائز
لا تحليل،
لا سياق،
لا سؤال عمّن صنع هذا القاع، أو من يستفيد منه.
فقط عرض مباشر، فجّ،
يريح الضمير الثقافي بادعاء «نحن نواجه الحقيقة»،
بينما الحقيقة تُختزل في لحم، وعرق، ونظرات موحية.
التمثيل: الجسد أولًا… والباقي لاحقًا
محمد العربي: بطل بلا روح
يؤدي دور الشاب التائه، لكن التوهان هنا شكلي.
لا صراع داخلي، لا رحلة نفسية،
مجرد جسد يتحرك داخل الكادر.
الكاميرا لا تطلب منه أن يفهم أو يعبّر،
بل أن يكون حاضرًا بصريًا فقط.
بطولة مستهلكة، لا تُدين الشخصية ولا تكشفها،
بل تتركها معلّقة كجسد معروض.
شمس البارودي: ضحية «الجرأة»
أحد أوضح أمثلة استغلال الممثلة تحت شعار الفن.
الشخصية شبه غائبة،
بينما الجسد هو النص الحقيقي.
لا تاريخ، لا دوافع، لا إنسان.
مجرد صورة تُغذّي خيالًا ذكوريًا كسولًا،
ثم تُقدَّم للجمهور على أنها كسر للمحرّمات.
يوسف شعبان: كاريزما تلمّع القبح
أداء قوي، نعم.
لكن المشكلة ليست في القوة، بل في الاتجاه.
الكاريزما لا تُستخدم لتفكيك الانحراف،
بل لتجميله.
الشر لا يُدان، بل يُقدَّم بشيء من الإعجاب الضمني،
وكأن الفيلم يقول:
هكذا هو العالم… استمتع بالمشاهدة.
صدمة بلا رؤية
المخرج والمؤلف اختارا الطريق الأسهل والأضمن جماهيريًا:
الصدمة بدل الرؤية.
لم يحاولا الذهاب أبعد من السطح،
ولم يغامرا بسؤال حقيقي عن المجتمع أو السلطة أو الفقر.
اكتفيا بتجميع عناصر مثيرة،
وربطها بخيط واهٍ من الادعاء الفكري،
ثم تركا الكاميرا تقوم بالباقي.
النتيجة؟
فيلم يعرف كيف يلفت الانتباه،
لكنه لا يعرف لماذا.
وأخيراً
حمّام الملاطيلي ليس علامة تقدّم،
بل علامة ارتباك.
ليس كسرًا للمحظور،
بل استثمارًا فيه.
فيلم لم يحترم شخصياته،
ولم يثق بعقل جمهوره،
فخاطب الغريزة وسمّاها واقعية.
سيبقى شاهدًا على لحظة في السينما المصرية
اختلط فيها الصراخ بالجرأة،
والعري بالصدق،
والصدمة بالفن…
ولم يخرج منها أحد نظيفًا.
فيلم حمّام الملاطيلي هو عمل روائي مصري كتبه محسن زايد وأخرجه صلاح أبو سيف، وعُرض لأول مرة عام 1973. قام ببطولته كلٌّ من محمد العربي ويوسف شعبان وشمس البارودي.
قصة الفيلم:
تدور أحداث الفيلم حول شابٍ مهجَّر من مدينة الإسماعيلية، يعيش مع أسرته في محافظة الشرقية، ويقرر السفر إلى القاهرة بحثًا عن فرصة عمل، وسعيًا لاستكمال دراسته في كلية الحقوق. لكن أحلامه تصطدم بواقع قاسٍ، إذ يفشل في العثور على وظيفة مناسبة، كما يتعثر في مسيرته التعليمية. تضطره ظروفه المادية الصعبة إلى الإقامة في مكان متواضع يُعرف بـ«حمّام الملاطيلي» لرخص أجر المبيت فيه.
خلال إقامته، يتعرّف على فتاة ليل هاربة، تنشأ بينهما علاقة عاطفية صادقة، وتبدأ الفتاة في التفكير في التوبة وترك حياتها السابقة، إلا أن محاولتها للخلاص تنتهي بمأساة، حين يُقدم عمّها وابنه على قتلها بدافع ما يعتقدان أنه دفاع عن شرف العائلة.


0 تعليقات
أترك تعليقاً ملائماً