يوميات حزب الكنبة: لا أعلم " — قصة قصيرة عن اللامبالاة في زمن الفوضى
كتبت بتاريخ 3 مارس 2012م
فوق أسطح المنزل ..قبل الغروب ..كعادتي أجلس ،وأدون في صفحات أجندتي "خواطر" ليست خواطربالمعنى المتعارف عليه ، ليست أشعار ذجل ولا قصص حالمه ، ولا حتى ما أفعله في يومي كاإنسان ، وانما هي " يوميات حزب الكنبة "مصطلح ظهر بعد ثورة يناير قد أطلق على الأغلبية منا .. فأن يومياتي ياسادة مجرد استنتاجات لنشرات الأخبار السياسية والتي أحسُ على مشاهدتها يومياً بالتليفزيون بين القناة والأخرى .. النشرة تخبرنا بالأحداث المؤسفة ، المؤسفة جداً التي تحدث في بلاد العالم الكبير .. خبر يحمل جرائم وحشية لعصابات المافيا .. خبر يحمل دماء أطفال دهستهم عجلات الدبابات .. خبر يحمل عدد شهداء هنا وهناك .. أموات ،صرخات أطفال ،عويل نساء وآهات لم تنتهي .. وأنا اتابع بتمعن واهتمام شديد وكأنني أنتظر خبر ما لا أعلمه .. خبرٌ سار .. خبر يجلب لي السعادة ! .. لما لا .. كل شىء جائز !ولكنني تعودت على أن المذيعة الشقراء ذات الشعر الأصفر المصبوغ والأعين الخضراء ذات العدسات اللاصقة معتدة بنفسها على الكرسي وتبتسم للمشاهدين وتروي مالديها من أخبار .. والأخبار كما تعودنا دماءً تروي بلاد العالم الكبير .. ومازلت أنتظر أن أرتوي أنا بالخبر السار الذي أنتظره .. ربما سأنتظر طويلا .. لابأس .. عليا أن لا أقنط من المذيعة الشقراء وأنتظر إذ ربما تعلن عن مايسُرني يوما ما!
أنتهت نشرة الخامسة مساءً .. وكعادتي أصعد فوق أسطح منزلي أشاهد قرص الشمس وهو يسقط مختفياً ليعلن عن بدأ نهاية اليوم وعلى سقوطة أدون في صفحات أجندتي "خواطر" أو كما اشارت في البداية بأنها يوميات .. يوميات حزب الكنبة ،الحزب المنسي من بين أحزاب المجتمع السياسي رغم أنه هو الأهم من بينهم ،بل أن جميع الأحزاب قد انشئت من أجله ،لكنه منسي تماما وكأنه حزب المغضوب عليهم ولاالضالين
بدأت في فتح أجندتي ومسكت القلم .. لحظات أفكر ماذا عليا ان أكتب اليوم .. أستوقفتني أصواتا مفزعة ،تتهادى إليّ من الشارع.. سباب ولعنات رجال ، أطفال تستجير بالبكاء ، صرخات نساء ..أخذ عقلي في التساؤل بدهشه وفضول
"ماذا يحدث ؟! "
الفزع من الأصوات جعل الأجندة والقلم يسقطان من يدي في ربكة والفضول جعلني انهض من مكاني مسرعاً بأتجاه سورالسطح لأشاهد وأعلم بما يحدث ..نظرت إلى الشارع لأرى منظرمخيف بشع لم أره في النشرات الأخبارية ، رجلاً ملقياً على الأرض غارقا في دمائه وقد ذبحت رقبته بالسكين كادت ان تفصلها عن الجسد .. تأملت في وجه الرجل ربما أعرفه .. نعم أعرفه .. أنه عم صالح الحداد ، والحدادة هي مهنتة ولديه ورشة حدادة بالقرب من مسكني هذا .. لكن من قتله بهذه الوحشية وتركه ملقياً غارقا في دمائه هكذا ؟.. والسؤال الذي زاد من حيرتي ، لماذا جثته ملقية وحيدة بالشارع ، لا أحد بجوارها ، لاأحد يحاول أن يسعفه أن كان مازال على قيد الحياة .. لا .. لا أظن .. هو بالفعل ميت وفارق الحياة ..لكن الشارع خال من المارة ،من الناس في الشرفات ، حتى المحلات التجارية كالبقالة ومحل العصير والمقهى، جميعها مغلقة على غير العادة ! .. والأعجب والمثير للشفقة لعقلي الذي زاد من حيرته أنني مازلت أسمع لسباب ولعنات الرجال وبكاء الأطفال وصرخات النساء .. أصواتهم كشريط صوت في خلفية مشهد سينمائي لاينقطع .. المشهد هنا جثة عم صالح ..و الشارع خالٍ من الناس .. ياللعجب ! .. فأن نشرة الأخبار لم تكن هكذا .. صورة بلا صوت أو صوت بلا صورة .. شعرت وكأنني أستمع إلى الراديو الذي يأتينا بصوتا بلاصورة .. لكن هذا لم يكن إذاعة البرنامج العام تذيع مسلسلا إذاعياً مثلا .. فأنا ارى جثة عم صالح رؤيا العين وأسمع الصرخات والبكاء والسباب .. كل هذا أسمعه بشكل واضح ومستمر .. الأصوات مزعجة .. مزعجة جداً .. لكن أين الذين يصدرون هذا الصوت المزعج ؟! كاد أن يصيبني الجنون .. حاولت أن أتحرر الدقة في السمع .. نعم أن الأصوات ربما تتهادي من هناك ، من داخل المنزل المجاور .. أنه منزل عم صالح .. لكنني لست متأكد بنسبة كبيرة من أن الأصوات بداخل هذا المنزل بالتحديد وربما بالفطنة ومن البديهي ظننت ذالك .. الجثة جثة عم صالح إذا الأصوات حتماً تخرج من منزله .. نعم .. فضولي الآن هو أن أعرف من قتله ولماذا .. حدقت نحو باب المنزل حتى يخرج منه أحدا أياً كان أستنتج من خروجه ماذا حدث حتى يسقط الرجل قتيلا غارقاً في دمائه بهذا المشهد العبثي المروع .. الوقت طال .. الشمس غابت .. الأصوات لم تنقطع بعد .. ومازلت أقف أتابع بتمعن وأهتمام شديد .. ولا أحد يخرج من المنزل ، وبعد ساعتان تقريباً .. أنقطعت الأصوات وحل الصمت .. وإذ فجأة رأيت جثة زوجة عم صالح تدلى على نحو بشع من الباب إلى الشارع لتلتصق بجثة زوجها .. شعرت بقدماي قد ألتصقت ببعضها وتصمرت كليا ،عن الحركة،عن التفكير ، عن النطق حتى بصرخة وكأنني قد أُغشى عليّ وأنا مُستيقظ بعينان مُبحلقتان ثابتتان في ذهول من هول المشهد .. فالجُثث والدماء الذي كنت أشاهدها دوما بنشرات الأخبار اليومية الآن آراها مباشرة وحصرياً ولكن دون أية تعليق من المذيعة الشقراء الحسناء وهي تبتسم ، فكيف عليها أن تبتسم حين تقرأ علينا مثل هذه الأخبار وأنا الآن أشعر وكان العالم قد انتهى في مكاني هذا.
مر وقتا طويل وأنا واقفا متصمرا في مكاني حتى صباح اليوم التالي .. الشمس قد اعلنت عن وجودها .. والناس والمارة عادوا إلى الشارع يتجولون في صباح يوما جديد .. طلاب يذهبون إلى مدارسهم ورجال يذهبون إلى أعمالهم ونساء تذهبن لشراء إحتياجات منازلهن .. ألخ..الأوضاع بالشارع عادت طبيعية كأن شىء لم يكن .. ولا وجود لأثر دماء جثة عم صالح وزوجتة .. لا وجود لهما أصلا .. ياللعجب !
إلى إين ذهبوا ؟! " لا أعلم ! "
وماذا عن أطفالهم ؟! " لا أعلم "
بالكاد سيتشردون ويصبحون كالقنابل الموقوتة في الشارع .. هذا مصيرهم لامحالة.
ومن المُجرم الذي فعل بهما هذا ؟! .."لا أعلم ! "
فهل المذيعة الشقراء الحسناء ذات العدسات اللاصقة الخضراء " تعلم ؟!"
إعداد فريق موقع الشمس اليوم
.jpeg)
0 تعليقات
أترك تعليقاً ملائماً